يجري الحديث عادة عن المقاتلين الغربيين في صفوف داعش؛ لكن هناك أيضا غربيون يقاتلون ضد التنظيم الإرهابي. DW عربية تحدثت مع بعضهم فذكروا سبب قتالهم ضد داعش وتصميمهم على ذلك؛ رغم رفض أهلهم وفقدانهم لأصدقاء في الحرب. شابٌ طويل القامة، أوروبي المظهر، فعيناه زرقاوتان وشعره أشقر. إنه الألماني فيوخ ذو الـ 23 ربيعاً، والذي قابلنا بوجهٍ مبتسم، لم تبدُ عليه علامات الخوف أو القلق. قرر فيوخ الالتحاق بـوحدات حماية الشعب الكردية بداية العام الجاري، ويقاتل حالياً في بلدة تل تمر التي تبعد 48 كيلومتر عن شمال غرب مدينة الحسكة في شرق سوريا. بعد مشاهدته لمقاطع نحر صحفيين أجانب، وعمال إغاثة على يد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي المعروف باسم داعش قرر القتال إلى جانب الأكراد، لأنهم وحدهم يحاربون هذا التنظيم المتطرف، حسب ما بدأ حديثه مع DW عربية. ولم ينكر فيوخ أن التنظيم أصابه بالرعب في البداية؛ لكن ذلك كان السبب بالنسبة له وللكثيرين من زملائه الأجانب للمجيء لنفس الهدف وهو محاربة التنظيم وكسر شوكته، حسب ما ذكر لنا. النقطة العسكرية التي قرر فيوخ القتال فيها كانت بالغة الحساسية، فهي النقطة صفر التي تبعد مئات الأمتار فقط عن مواقع تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول فيوخ: تنظيمهم مبني على الرعب والترهيب، وإذا سمحنا لهم بالنمو والتمدد ستقوى شوكتهم، وأضاف ستكون نتائج ذلك وخيمة على الإنسانية برمتها. المعارك الأخيرة بين داعش ووحدات حماية الشعب الكردية، تشير ميدانياً إلى أنّ داعش خسر جميع المناطق في محافظة الحسكة وكان آخرها جبل عبد العزيز- أكبر معاقله لصالح الوحدات الكردية، كما تحررت كامل بلدة تل تمر وقرى راس العين أو ما يطلق عليها الأكراد سري كانيه. الدفاع عن تجربة الإدارة الذاتية وتحدث المقاتل الألماني فيوخ قائلا: جئت إلى هنا من أجل الدفاع عن ثورة روج آفا، ويقصد بذلك تجربة الإدارة الذاتية من طرف واحد، التي أقامها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي مع حلفائه، بعدما انتفضوا في بداية حركة الاحتجاجات في وجه نظام الأسد وطالبوا بإسقاطه. وتابع المقاتل الألماني الشاب: هم يريدون الحرية والديمقراطية لكل مكونات المنطقة من عرب وسريان وكلدو آشوريين. بينما أكد المقاتل الصيني شين شاو، والذي يناديه زملاؤه باسمه الحركي سيبان (أكد) في لقائه مع DW عربية أنه جاء للدفاع عن الناس ومساعدتهم على الخلاص من تنظيم داعش. وقال إنه أثناء مطالعته لإحدى الصحف الصينية قرأ كيف أن الوحدات الكردية في مدينة كوباني (عين العرب) تقاتل بشراسة ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، فلم يحتمل البقاء متفرجاً على تلك البلدة الكردية الصغيرة وأضاف: قررت المجيء والقتال إلى جانب الأكراد في حربهم ضد القوى الظلامية، كما لفت سيبان إلى أن مشاركته في المعركة ضد داعش رسالة إلى المجتمع الإنساني. لابد أن ينتصر الخير على الشر، لتشرق شمس السلام من جديد. واعتبر المتحدث الرسمي باسم وحدات حماية الشعب الكردية الجنرال ريدور خليل أن الوحدات تقاتل الإرهاب بالنيابة عن العالم كله. وفي لقائه مع DW عربية أشار خليل إلى أن هذا هو السبب الوحيد والكافي لانضمام مقاتلين أجانب إلى صفوف الوحدات، وأضاف إنه دليل على تماسك الشعوب أمام تنظيم داعش الذي يشكل تهديداً للجميع. وحول عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف الوحدات، كشف الجنرال الكردي أن عددهم يصل إلى حوالي مئتي مقاتل من مختلف دول العالم. شجاعة طبيب ويروي الطبيب الإسباني ريو آمور أنها أول حرب يشارك فيها كطبيب ميداني، وقال في لقائه مع DW عربية: عندما أسمع أصوات الطيران وقذائف الهاون أشعر بالخوف، ولكن عندما أفكر أن هناك مقاتلاً قد يسقط جريحاً في أي لحظة أتحرر من فكرة الخوف لأقوم بواجبي. الطبيب الإسباني تخرج من الجامعة حديثاً، ويشجع فريق ريال مدريد لكرة القدم. وهو يعمل الآن في نقطة طبية ميدانية في مدينة راس العين (تبعد 85 كلم شمال الحسكة) حيث يقوم بإسعاف وعلاج المقاتلين المصابين. وعن مهمته الإنسانية والتي قطع ألاف الكيلومترات لأجلها، قال ريو آمور: عندما ينتهي يومي من العمل وأعود إلى الغرفة المخصصة للنوم لا تمر دقائق حتى أخلد للنوم مرتاح الضمير والبال لأني قدمت واجبي تجاه هؤلاء المدافعين عن المدينة. واستدرك الطبيب الإسباني قائلاً: بعد إجراء عمل جراحي لمقاتل مصاب أنقله إلى مكان تواجد المرضى، وأشرف عليه وأتابع رعايته الصحية، مما يعطيني فرصة لسماع قصصهم. أما مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن فتحدث مع DW عربية، مقدرا أعداد المقاتلين المنضمين إلى الوحدات الكردية بـحوالي مئة وخمسين مقاتل من جنسيات أوربية وغربية، على حد قوله. وأضاف عبدالرحمن قتل منهم سبعة، كان آخرهم أسترالي قضي نحبه في معارك مدينة القامشلي، التي تقع أقصى شمال شرق سوريا. حماسة أب صيني عائلة المقاتل الألماني فيوخ تتواصل معه باستمرار، وكشف أنها تحثه على العودة إلى بلاده والخروج من هذه الحرب، فهو ليس طرفاً فيها كما تقول عائلته. لكن فيوخ مصمم على الاستمرار في القتال حتى الجبهات الساخنة. أما المقاتل الصيني شين شاو فذكر أنه يشتاق إلى عائلته كثيراً، لكنهم يتفهمون لمَ أنا هنا، وما يعزيني هو تشجيعهم لي. وفي آخر مكالمة معهم حثه والده على المثابرة وقال له: استمر في نضالك يا بني! كلمات والده تبث فيه الشجاعة ودفعته للقول: سأبقى هنا إلى أن نقضي على داعش، لتتخلص الإنسانية من هذا التنظيم الإرهابي. بينما كان الطبيب الإسباني ريو آمور حزيناً لأنه فقد صديقه وزميله جراء الحرب الدائرة ضد التنظيم الإرهابي. وروي آمور اللحظات الأولى عندما قررا السفر سويا من مسقط رأسهما والتوجه إلى المناطق الكردية في شرق سوريا، واختتم كلامه بالقول: قد تكون خسارتي كبيرة؛ لكن الشعب الكردي يستحق الحرية والعيش بسلام، حسب تعبيره. كمال شيخو، DW عربية، مدينة القامشلي - سوريا