فيما يسجل سن التقاعد ارتفاعاً متزايداً حول العالم، بفعل ارتفاع معدل الأعمار، تشكل الكويت حالة خاصة في تراجع معدل سن التقاعد إلى ما دون الخامسة والخمسين، وفق بعض التقديرات، بفضل السياسة الحكومية التي تدفع بمن تجاوزت خدمتهم 30 عاماً إلى التقاعد. لكن ماذا يفعل متقاعد شاب لم يتجاوز عمره الخمسين عاماً، بعد أن خرج من الخدمة وبات يتقاضى راتباً تقاعدياً سخياً لا يحلم به كثيرون ممن يعملون 48 ساعة في الأسبوع؟ العديد من المتقاعدين الشباب يقترحون على دولتهم أن تعيدهم إلى الخدمة من النافذة بعد أن خرجوا من الباب، من خلال عقود استشارية، خصوصاً لأولئك الذين أنفقت الدولة مبالغ طائلة لتعليمهم وتدريبهم خلال سنوات خدمتهم. هذا المنطق يستند إلى أن الدولة تنفق الكثير للاستعانة غالبا بمستشارين خارجيين للقيام بمهام يمكن لكثير من الكويتيين المتقاعدين القيام بها، بما اكتسبوه من خبرة وتدريب وممارسة العمل في الاماكن التي كانوا يشغلونها. وفي المقابل، هناك من يرى في هذا المنطق هدراً مزدوجاً، إذ لماذا تغري الدولة هؤلاء بمزايا سخية للتقاعد في سن الشباب إذا كانت تريد إعادتهم بصفات استشارية؟ ومع ان القانون الكويتي لا يمنع الجهات الحكومية أو الخاصة الاستعانة بمستشارين من القيادات المحلية من المتقاعدين سواء كانوا يعملون لدى الحكومة أو لدى القطاع الخاص، في حين ان الحكومة وحتى القطاع الخاص في الكويت يستعينون بمستشارين من الخارج أغلبهم من المتقاعدين في بلدانهم، أو يوجد بديل عنهم من الكوادر الوطنية، حتى أن أحد المتقاعدين من العمل لدى القطاع الخاص وصف هذا الأمر بأنه فلسفة كبيرة وخاصة في الكويت، وذهب الى حد القول أنها تشكل عقدة كبيرة، قبل ان يشير الى أن الحكومة استعانت برئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير ليقدم استشاراته للحكومة، متسائلا ما الجديد الذي قدمه بلير ولا يعرفه الكويتيون؟ النقاش في هذا الشأن بدأ مع الوكيل المساعد السابق في وزارة التجارة والصناعة، والمتقاعد حاليا حمد الغانم الذي استهل كلامه بالحديث عن قانون المتقاعدين الذي قال إنه يؤثر على الدولة والشخص، مبينا أن راتب المتقاعد ينخفض بعد التحول الى التقاعد، وبعد ذلك يدرج اسمه وخبرته وكل ما تعلمه أثناء عمله في قوائم النسيان، ولا يتم الاستفادة منه في أي شيء بعد تقاعده، وهذا أمر محزن، حيث ان هناك طاقات كبيرة يختزنها كثير من القيادات وكبار الموظفين سواء كانوا لدى الدولة أو في القطاع الخاص. وأشار الى مثال عن حالات موجودة في الكويت للاستفادة من متقاعدين، يتمثل في الديوان الاميري الذي استعان بشخصيات وزارية وجد انه يمكن الاستفادة منهم كمستشارين في الديوان الاميري مثل وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف الابراهيم ووزير شؤون مجلسي الأمة والوزراء الاسبق ضيف الله شرار وغيرهم، وتساءل: لماذا لا تستفيد الجهات الحكومية من قيادات كويتية متقاعدة يمكنها تقديم استشارات في مجالات مختلفة من واقع خبرتهم وتجربتهم في الاماكن التي كانوا يتولون فيها مسؤوليات قبل تقاعدهم. ويشير حمد الغانم الى مثال آخر وتجربة ناجحة قام بها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التجارة السابق الدكتور عبد المحسن المدعج عندما استقطب جمال الشايع وهووكيل وزارة سابق في وزارة التجارة، كمستشار له في شؤون الوزارة، للاستفادة منه من واقع خبرته الطويلة في الوزارة تولى فيها العديد من المسؤوليات وفي ادارات مختلفة، وهذا أمر لم تعترض عليه الحكومة أو ديوان الخدمة المدنية، ما يعني أنها تجربة جيدة قابلة للتطبيق والتعميم. ويمضي الغانم الى القول أن الحكومة تستقطب مستشارين من خارج البلد في اختصاصات يمكن لكثير من المتقاعدين الكويتيين ان يقدموا استشاراتهم في شأنها، لافتا الى أن كثيرا من المستشارين الذين تستعين بهم الحكومة هم متقاعدون في بلدانهم، والمشكلة في هؤلاء انهم يقدمون استشارات متأثرين بالقوانين المعمول بها في بلدانهم، وليس وفق ما يقتضيه بالضرورة القانون المعمول به في الكويت. رئيس مجلس الادارة السابق في البنك الصناعي والعضو السابق في مجلس مفوضي هيئة أسواق المال صالح اليوسف اعتبر مسألة الاستعانة بالقيادات السابقة والمتقاعدين حديث الساعة، ويتم التداول به في الديوانيات، ويرى ان الكويت تفقد الكثير من الخبرات الوطنية دون الاستفادة أو الاستعانة بها في تقديم استشارات في الاختصاصات المختلفة التي اكتسبوا فيها خبرات عملية، وقد يكونون خضعوا لدورات تدريبية كلفت الدولة الكثير من الاموال، خصوصا في الاختصاصات التي تحتاج فيها الحكومة الى مستشارين وتستعين من اجلها بمستشارين من الخارج. ويشير الى أن هناك من المتقاعدين لديهم خبرات في كثير من الامور التي تحتاج فيها الحكومة الى مستشارين، وفي اختصاصات مختلفة، ضباط في الجيش والشرطة وأطباء ومهندسين ، حيث تملك الكويت طاقات كبيرة، تراكمت لديها خبرات عبر سنوات طويلة من العمل والتجارب، وأنفقت عليهم اموالا طائلة لتأهيلهم واكتساب الخبرات، و«هل يعقل بعد كل ذلك نحيلهم للتقاعد ليجلسوا في بيوتهم دون عمل بينما كان يمكن الاستفادة من المميزين منهم». وتطرق اليوسف الى تجربته حين كان يتولى رئاسة البنك الصناعي، وكيف أنه لم يحل أي موظف الى التقاعد، وانه طلب من انطبق عليه شروط التقاعد ان يبقوا في عملهم كمستشارين للادارة وتدريب موظفين اخرين بذات الراتب والامتيازات، ورأى أن ذلك أفضل من الاستعانة بمستشارين من الخارج بتكاليف عالية بينما يوجد بديل عنهم في البلد وربما بطاقات وخبرات أفضل. ولم ينج القطاع الخاص من انتقاد صالح اليوسف، فوجه له لوما كبيرا وقال القطاع الخاص «خشمك اذنك»، فإذا كانت لديك واسطة «يمشي حالك»، وهذا مع الاسف معيار استفادة هذا القطاع من المتقاعدين. ويضيف أن القطاع النفطي الذي تأتي ايرادات الدولة منه، كيف تستغني الدولة عن القيادات والمهندسين العاملين في هذا القطاع المهم ولا تستفيد منهم في تقديم استشارات في الامور النفطية من واقع خبرتهم التي اكتسبوها خلال عملهم في هذا القطاع. وتساءل من جهة ثانية عن مؤهلات العاملين في هيئة اسواق المال وما هي خبراتهم في هذا المجال؟ مضيفا: كان ينبغي الاستعانة بمستشارين محليين ليكونوا الى جانبهم. ويلفت صالح اليوسف الى ان دول العالم تستفيد من أصحاب الخبرة بعد التقاعد كمستشارين، وساق على ذلك مثال الولايات المتحدة التي قال ان مختلف المؤسسات الرسمية فيها تعين قيادات سابقة كمستشارين لديها للاستفادة من خبراتهم، بينما الكويت لا تفعل ذلك، ويرى ذلك أمرا محزنا.