×
محافظة مكة المكرمة

اجتماعي / خيرية وادي محرم والهدا تبدأ بتوزيع 500 بطاقة صراف للأسر المسجلة

صورة الخبر

يجب ان يطرح بقوة قانون او نظام لحماية الوحدة الوطنية.. وهذا القانون يجب ان يشدد على رفض أي اشارة استهداف من أي طرف، او عملية تحريض بأية وسيلة وبأية طريقة، وان يؤخذ على ايدي هؤلاء الذين لا يبرعون بشيء كما يبرعون في اثارة الاحقاد والكراهية والازدراء.. وهذا لن يكون سوى قانون يشمل الجميع بلا تردد او اعتبار آخر لم تكن جريمة القديح، سوى جزء من تطور خطير، يستهدف تمزيق المجتمع وزيادة مساحة الاصطفاف الطائفي، وإرهاق الداخل بتبعات ما يحدث في دول الجوار.. حيث الحرب الطائفية يشتد أوارها ساعة بساعة. الجريمة كبرى، والمصاب أليم، وقد طال الوطن برمته، والذي يجب ان نعي دوما انه وطن لجميع ابنائه، وإلا غرقنا في تبعات مؤامرات تنسج خيوطها وتتراكم مؤشراتها لتضع الجميع امام اختبار حقيقي في أيام صعبة قاسية. يمكن ان تكون هذه التطورات الخطيرة، الناقوس الاكبر الذي يدق ساعة الحقيقة التي لا بد من مواجهتها والاستعداد لها وبذل الكثير لإفشال مخططاتها وتبعاتها وآثارها. يحتدم الجدل اليوم، حول إلقاء عبء المسؤولية عما حدث.. وتلح تلك النظرة التجزيئية على البعض، فلا يرى الا ان المخطط الخارجي هو الفاعل والباعث، بينما يصب الآخر جام غضبه على الداخل والاصوات التي تنفخ في رماد الطائفية كلما خبا اوارها أو تلاشت نارها. لن يكون هناك اليوم أكثر حاجة من مواجهة هذه المسألة بوعي وبنظرة لا تركن للعاطفة او الانحياز.. فالدولة والوطن والانسان، كل اولئك مستهدف ولن ينجو احد لو استعرت هذه الجمرة الخبيثة، ولن يفيد اولئك الذين يحشدون الكراهية وهم مسترخون في بيوتهم اذا ما اخذتهم مفاجآت وعوادي الأيام بما هو أقسى وأمر. تحليل الواقع الطائفي أمر مهم في مرحلة لا يجب ان ندفن فيها رؤوسنا في الرمال وندعي أننا لا نعاني من هذه المشكلة التي اصبحت عنواناً قاتلاً في هذه المنطقة من العالم. إلا ان هذا التحليل يجب ان يطال السياسي والديني والثقافي.. يجب ان تُقرأ الصورة الكلية حتى لا نغرق في جزئيات لا يمكن ان تقدم وحدها اجابات لواقع ملتبس، حيث الكل يحاول ان يدفع عن نفسه تهمة التورط في تبعاته، ناهيك عن استخدامه في ادانة الآخر. المخطط الخارجي التآمري، لا يمكن عزله عن عملية القديح، كما لا يمكن عزله عن عملية الدالوة قبل عدة شهور.. كما لا يمكن التعامل معه إلا باعتباره جزءا من حرب شعواء تشن على الدولة والمجتمع بهدف إحداث خلخلة في النسيج العام وتوفير شروط الاصطفاف والفرز على الهوية المذهبية. هناك مؤامرة ومخطط خارجي، يجد في الطائفة والطائفية الوقود الجاهز والمناسب لإحداث الشرخ في اضعاف الدولة وتوفير اسباب التوتر والانشقاق. وفي الصراعات الاقليمية والدولية لا يحب ان تأخذنا السطحية في التفكير ان نرى العدو يتورع عن ايذاء بني مذهبه او طائفته لان ثمة منطقا اخلاقيا. في المؤامرات الخارجية، لا حرمة للدماء طالما تحقق اهداف اولئك الذين يرمون لإحداث تلك الثغرات القاتلة في بنية الدولة والمجتمع. وعملية القديح لم تكن سوى جزء من سياق الاستهداف.. وهنا يجب ألا نفصل بين مؤثرين او عاملين: العامل الخارجي المخطط والذي يملك من الأساليب والامكانات ما يتيح له استغلال العامل الآخر او المؤثر الآخر ألا وهو الاداة. وإذ يتبنى تنظيم داعش العملية، إلا ان هذا التنظيم لازال يثير الكثير من الاسئلة حول ماهيته واهدافه الحقيقية. لازالت هناك حلقات مفقودة في فهم تنظيم برز خلال عام ليحدث كل هذا الارباك في المنطقة.. لازالت الاسئلة الكبرى تحيط بهذا التنظيم، الذي لا يمكن له ان يتحرك ويتمدد ويملك الموارد إلا بدعم استخباراتي وتمويل خارجي ليحقق اهدافا لا يمكن لسواه ان يحققها في هذه المرحلة. الصراع الاميركي - الاوروبي حاضر في مشهد العراق وسورية.. وإن كان خفيا وملتبسا.. والصراع الاقليمي حاضر بقوة في مشهد الصراع.. وتوظيف منظمة مثل داعش ممكن حتى لأشد اعدائها مذهبيا او عقائديا.. الاختراق وارد والعمالة غير المباشرة واردة والتعاون وارد حتى مع وجود التناقضات طالما هناك اهداف يمكن تحقيقها. فقر الوعي السياسي، هو الوقود الذي تعتمد عليه هذه المنظمة الخطيرة في التجنيد والتعبئة. ولذا تجد ضالتها - أي الوقود الجاهز - في شباب يتعرضون لمؤثرات، ناهيك عن مفاهيم ساذجة عن ماهية الصراع وادواته جعلت منهم اهدافا سهلة في التجنيد وادوات ارخص وأكثر فاعلية في التفجير والتدمير. هنا تأتي المسألة الداخلية، التي قد توفر بيئة مناسبة لتجنيد اولئك واستخدامهم كقنابل متحركة.. وهنا تأتي خطورة التحريض او الشحن الطائفي او الاصرار على انتاج نظام معرفي يستعيد مقولات الكراهية والتكفير دون تفكير بالعواقب والمصير.. سواء عبر الخطاب الوعظي أو من خلال هذا التدفق الهائل لمقولات التخوين والكراهية العمياء عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي اتاحت اكبر نافذة للتأثير والاصطفاف والفرز على الهوية الطائفية. وهذا ليس قصرا على طائفة دون سواها.. فهناك قصف متبادل لا هدف له سوى مزيد من حشد الكراهية وتوفير بيئة منفعلة متوترة تجاه الآخر باعتباره الخطر الاكبر والداهم والمدمر! في منظومة ثقافية وعيها السياسي ضحل للغاية، وعلاقتها بالآخر تقوم على الاحادية.. والاحكام المطلقة السهلة.. التي لا تميل للبحث في التفاصيل ولا قراءة التاريخ قراءة واعية.. وهي تلتقط ثقافتها الدينية من شارع يكتظ بخطباء ودعاة توقف فيهم الزمن عند حدود الجمل وصفين.. وحملوا على كاهلهم إرث وموروث الكراهية العمياء.. لن نعدم ان نجد شبابا كثرا وعيهم متوقف عند آذانهم وعلاقتهم بالآخر في الداخل رهن ذلك الوعي.. ما يشكل مساحة معتمة لا يمكن ان تمتد فيها مساحة ضوء التسامح والقبول والتعايش على اساس ان الناس شركاء في الوطن.. أما العقائد والمذاهب فهي امر خاص بكل طائفة، طالما لم يوظف او يرهن لقضم او قصم الآخر او الاضرار به. إن بيئة الشحن الطائفي، واضمحلال الوعي السياسي، وزيادة جرعات التخوين الطائفي من كل الاطراف.. هي البيئة المناسبة لتوظيف هذا الخلل الكبير في نسيج الوطن.. واذا توفر هذا بالإضافة الى تنظيم طائفي، يقدم خطابا يتجاوب مع وعي اولئك الشباب الغر، دون أي وعي سياسي او فهم لمنظومة الصراع وحقيقته.. إن كل هذا لا يمكن أن نتوقع منه إلا الأسوأ. على اولئك المحرضين او المبتهجين بالطعن بالآخر كل حين.. أن يختاروا إما وطنا للجميع مع حفظ حقوق الجميع، او وطنا تمزقه هذه الاحن والعداوات التي ندفع ثمنها ولم نشارك بصناعتها يوما. ومن اعجب من امة تدفع ثمن ما حدث قبل 1400 عام ليصبح مدار الحياة وانهماك اليومي وقلق المستقبل.. ولا تنفك عن ذلك التاريخ البعيد بكل ملابساته وحوادثه وظروفه وصروفه. ولهذا كله، يجب ان يطرح بقوة قانون او نظام لحماية الوحدة الوطنية.. وهذا القانون يجب ان يشدد على رفض أي اشارة استهداف من أي طرف، او عملية تحريض بأية وسيلة وبأية طريقة، وان يؤخذ على ايدي هؤلاء الذين لا يبرعون بشيء كما يبرعون في اثارة الاحقاد والكراهية والازدراء.. وهذا لن يكون سوى قانون يشمل الجميع بلا تردد او اعتبار آخر. ويجب أن يطال هذا القانون النظام التعليمي والثقافي والاعلامي لنزع تلك الالغام المؤسسة للكراهية والبغضاء. انه لا وسيلة أخرى لتماسك وطن يدين بالولاء لأهله وشعبه وقومه ودولته، الا بهذه المعاني الكبرى.. ودونها سنظل ندور في حلقة مفرغة من الاتهامات المتبادلة.. لا البحث عن حلول تقينا غوائل الايام.. ومخططات اللئام. لمراسلة الكاتب: aalqfari@alriyadh.net