لندن: ثائر عباس منذ اندلاع الأزمة الأخيرة في تركيا، دار همس في الدوائر المغلقة حول هوية طائفية لغالبية الذين نزلوا في مظاهرات مناوئة لحكومة حزب «العدالة والتنمية» برئاسة رجب طيب أردوغان الذي تلقى معظم سهام المتظاهرين في شخصه قبل حزبه. فالتقارير التي تفيد بأن معظم المعارضين، اليساريين والراديكاليين الشيوعيين، إضافة إلى مناصري حزب المعارضة الرئيس «الشعب الجمهوري» هم من أبناء الطائفة العلوية التي استطاع أردوغان أن يفتح أبواب الحوار مع متدينيها، لكنه فشل في اختراق علمانييها الذين يتصدرون الحملة ضده، وفي مقدمهم زعيم «الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو الذي يتحدر من أم سنية وأب علوي. وللمرة الأولى، تحدث أردوغان ليل أول من أمس عن سعي «قوي إقليمية ودولية لخلق فتنة بين الشعب التركي بمكوناته السنة والعلوية، بهدف جر البلاد إلى دوامة من العنف لقطع الطريق على استكمال النهضة التي تعيشها تركيا في الوقت الحالي» ما يؤشر إلى حساسية المسألة التي تشغل الرأي العام التركي المتدين، خصوصا بعد حصول بعض أعمال العنف الطائفية في مناطق متفرقة في تركيا من بينها شعارات مناهضة للعلويين في مناطق انتشارهم في أنقرة. وشدد أردوغان خلال مأدبة إفطار لحزب «العدالة والتنمية» على أن «تركيا لن تنزلق إلى ما يخطط له هؤلاء»، قائلا: «إن كانت العلوية حب سيدنا علي رضي الله عنه فأنا علوي حتى النخاع». وأردف قائلا: «نحن نقدر الإمام علي، فهو صهر الرسول وأحد الخلفاء الراشدين، وأنا أحاول أن أعيش كما عاش». وأشار أردوغان، إلى أن «البعض يصف نفسه بأنه علوي، لكنه بعيد كل البعد عن علي وعن أخلاق علي وعن نمط عيشه، وأن هؤلاء يحاولون أن يخلقوا فتنة طائفية، وخصوصا بين المسلمين السنة والعلوية، لكن تركيا لن تنقاد إلى ما يخطط له هؤلاء، وعلى 76 مليون تركي أن ينبذوهم لكي لا يقعوا ضحية في شباكهم». ويبدي نائب أنقرة عن حزب العدالة والتنمية، وأحد مساعدي أردوغان البارزين، أمر الله إشلر أسفه لـ«محاولة البعض اختراق تركيا من البوابة الطائفية»، مشيرا إلى أن «أعداء البلاد كانوا يعملون في السابق على تأليب الناس من خلال ادعاء وجود أزمة اقتصادية وهذا لم يعد ممكنا اليوم في ظل النهضة الحالية، كما حاولوا من خلال الملف الكردي الذي يشهد اليوم تحسنا كبيرا ففشلوا أيضا، ولم يتبق لهم إلا الملف العلوي». ويعترف النائب إشلر بأن معظم الذين نزلوا في مظاهرات ميدان تقسيم هم من العلويين، لكنه يشير إلى أن هؤلاء لم ينزلوا انطلاقا من علويتهم، بل من علمانيتهم، لأن معظم هؤلاء من الملحدين. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف فإن معظم العلويين في تركيا ليست لهم علاقة بالعلوية والشيعة ولا حتى بالدين، فمعظم الجماعات اليسارية المتطرفة مكونة من علويين، وهؤلاء بطبيعة الحال ضد الحزب (العدالة والتنمية) وضد أردوغان». وأشار إشلر إلى أن السلطات التركية دخلت في حوار مع علويي تركيا الذين قدر عددهم بما بين 5 إلى 10 ملايين من أصل 76 مليون تركي. وأعلن أن هذا الحوار أثمر إدخال معلومات عن الطائفة في المناهج الدراسية التركية، كاشفا عن «حزمة قرارات ديمقراطية» سوف تصدر عن الحكومة التركية خلال شهر أو شهرين على الأكثر تتناول في جانب كبير منها مطالب العلويين في البلاد. وتحدث عن مفارقة غريبة وهي أن حزب الشعب الجمهوري كان يقف وراء مجزرة درسيم التي ذهب ضحيتها الكثير من العلويين الأتراك، فيما أن معظم أعضائه اليوم هم من العلويين. وردا على سؤال عمن يعنيهم أردوغان بالوقوف وراء محاولة استغلال العلويين، قال إشلر: «الاستخبارات السورية تقف وراء هذه المحاولات. هم حاولوا سابقا استغلال (زعيم تنظيم العمال الكردستاني عبد الله) أوجلان، والآن يسعون لاستغلال العلويين». وعن العلويين في محافظة هاتاي، قال إشلر إن هؤلاء أقرب إلى النصيرية منهم إلى العلويين، لكنه أشار إلى «صلات قوية للنظام السوري مع بعض العلويين في أنطاكية» مشيرا إلى أن الاستخبارات السورية تعمل بشكل كبير في هذه المنطقة التي يتكلم الكثير من أبنائها اللغة العربية. وكانت السلطات التركية قد فتحت منذ 3 سنوات حوارا مع المكونات الطائفية في البلاد ومن بينهم العلويون، وقد كلف بذلك أحد وزراء الحكومة الذي أجرى عشرات اللقاءات مع زعماء الطائفة لبحث مطالبهم التي تحقق بعضها، فيما لا يزال مطلبهم الاعتراف بـ«دار الجمع» كأحد دور العبادة قيد البحث.