لنطرح تساؤلاً: ماذا لو نفذت الجامعات السعودية برامج جامعية بطريقة التعليم عن بعد تستهدف من خلالها تعليم اللغة العربية وآدابها والعلوم الدينية وغيرها من التخصصات في العلوم المتقدمة كتقنية المعلومات، وأتاحت الانتساب لمثل هذه البرامج بشكل مجاني أو برسوم رمزية للراغبين في التعلم من العالم العربي والإسلامي ومختلف أنحاء العالم، لاسيما وأن لدينا جامعة إليكترونية متخصصة والعديد من الجامعات السعودية لديها وكالات للتعليم عن بعد، كيف سيكون تأثير ذلك على حضور اللغة العربية والثقافة السعودية في العالم الإسلامي وحول العالم، والأهم من كل ذلك حضور المملكة لدى شعوب العالم؟ تندرج مثل هذه الممارسات ضمن نطاق القوة الناعمة، وتأخذ أشكالا متنوعة فمنها ما يكون دعما ماديا مباشرا لزيادة النفوذ ومواجهة نفوذ دول أخرى كما فعلت الولايات المتحدة في خطة مارشال والتي هدفت إلى إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والمحافظة عليها رأسمالية، وفي المقابل تمارس دول أخرى سياسات مختلفة فبينما سعت المملكة المتحدة لتأسيس 70 فرعاً للمجلس الثقافي البريطاني حول العالم لتعليم اللغة الإنجليزية، سعت الصين لتأسيس 450 مركزاً كونفشيوسياً لتعليم اللغة الصينية والتعريف بثقافتها حول العالم مستهدفة العديد من الجامعات العالمية، واكتفت فرنسا بتنظيم 50 ألف فعالية ثقافية سنوياً خارجياً، كل تلك الأدوات جيدة وتحقق أهدافها، ولكن أدوات القوة الناعمة في العصر الرقمي أكثر كفاءة وفعالية، فصناعة محتوى بلغات مختلفة عبر اليوتيوب الذي يحظى بمليار مشاهدة يومية لإيضاح ثقافة المملكة والمشروعات الحديثة ومشاركاتها العالمية ستكون فعالة جداً إذا نفذت بشكل موضوعي وبعمل احترافي، وحتما أقل تكلفة من إنفاق مئات الملايين لتأسيس قنوات بلغات مختلفة أو الاعتماد على ما تنشره وسائل الإعلام العالمية وبعض المنظمات، فبعض تلك الأخبار والتقارير غير محايدة ولعل تغطية بعض تلك الجهات لعاصفة الحزم لشاهد عيان حول أهمية تعزيز القوة الناعمة السعودية، وفي المقابل لا بديل عن استراتيجية وطنية للقوة الناعمة يتم من خلالها الاستفادة من العالم الافتراضي وأكثر من 200 مركز إسلامي دعمت المملكة تأسيسها و44 كرسيا بحثيا في الخارج. ختاماً يقول مارتن لوثر كينج "على الذين يحبون السلام أن يتعلموا التنظيم بكفاءة وفعالية أولئك الذين يحبون الحروب". ولا أعتقد أن هناك طريقة أفضل لتعزيز السلام ومكافحة الحروب والإرهاب وأهم من صناعة محتوى رقمي لمخاطبة 2 مليار شخص حول العالم وهنا تكمن أهمية القوة الناعمة الرقمية.