عُين توني بلير مبعوثاً خاصاً للجنة الدولية الرباعية، التي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا في عام 2007. اللجنة التي تأسست في عام 2002، أخذت على عاتقها التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، من أجل تحقيق سلام عادل وشامل بين الفريقين، يكفل الاستقرار في الشرق الأوسط. بلير الذي كان رئيساً لوزراء بريطانيا بين عامي 1997 و 2007، ورئيساً لحزب العمال البريطاني بين عامي 1994 و2007، قبِل مهمة تعيينه في الدور الجديد، لأنه كان بحاجةٍ ماسة لاستخدام هذه الوظيفة الجديدة كمطيَّةً للانسحاب من الحياة السياسية البريطانية، خصوصاً أن مهامه في رئاسة اللجنة غير واضحة، ولم يَكُن لأي من الأطراف العربية رأيٌ بتعيينه، لاسيما الجانب الفلسطيني، وبدت عملية تكليفه كأنها جائزة ترضية أمريكية له، عن دورهِ المُتقدِّم في عملية اجتياح العراق عام 2003. منذ إعلان بلير عن استقالته من مهامه عبر رسالة وجهها في 25/5/2015 إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لم يُعلق أي من الأطراف المعنية على هذه الاستقالة، بل بدا الصمت كأن الأطراف المعنية خصوصاً العربية كانت تنتظر هذه الاستقالة، أو لم تَكُن تشعر بوجود بلير على رأس هذه اللجنة، أو بدور اللجنة برُمتها. وحده رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، قال: إن بلير قام بجهود كبيرة لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وتلك إشارة واضحة إلى أن مهمة بلير كانت تخدم إسرائيل فقط، وربما كانت مهمته إفشال عملية السلام برمتها. تعرض الشعب الفلسطيني لاعتداءات وحشية متكررة من الآلة العسكرية الإسرائيلية منذ عام 2007 حتى اليوم، وارتكبت قوات الاحتلال مجازر وحشية في القدس الشرقية وغيرها من مناطق الضفة والقطاع، ودمَّرت إسرائيل غزة ومحيطها، واجتاحت قسماً منها عام 2009، ولم يُحرِّك توني بلير ساكناً، وتحول إلى مُنسق لعمليات توزيع المساعدات التي كانت شحيحة إلى حدٍ كبير، لأنه لم يبذل أي جهود لتوسيع حجم هذه المساعدات الإنسانية. لم يبد أن بلير كان يكن أي عاطفة تجاه الشعب الفلسطيني، وهو لم يؤسس أي علاقة مقبولة مع أي من القيادات الفلسطينية. والسلطة الفلسطينية انتقدت دوره علناً في أكثر من مناسبة، لأنه كان مُنحازاً للجلاد الإسرائيلي بينما المطلوب أن يكون وسيطاً نزيهاً، ينظر إلى الواقع بتجرّد وموضوعية. أما المُهمة الأخرى التي قام بها بلير، تحت شعار دعم الاقتصاد الفلسطيني تمهيداً لقيام الدولة المُستقلة، استغلها لتحقيق منافع شخصية، وجمع ثروة مالية خاصة به، من خلال الاستشارات والنصائح التي كان يقدمها لبعض الشركات الكبرى العاملة في الشرق الأوسط، ذلك على الأقل ما ذكرته صحيفة التليغراف البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 26 مايو/أيار 2015. المسؤولون في السلطة الوطنية الفلسطينية، اتهموا بلير بدورهم بتهميش القرارات الدولية ذات الصلة، والتي تتحدث بوضوح عن الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وتُدين الانتهاكات الإسرائيلية في الوقت ذاته. المسؤول في العلاقات الدولية لحركة فتح حسام زملط، قال: إن الفلسطينيين فقدوا ثقتهم ببلير كوسيطٍ نزيه منذ زمنٍ بعيد، لأنه كان يُساوي بين الجلاد والضحية، ولم يحترم المعايير الدولية في مهامه التوفيقية. المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة متوقفة منذ إبريل/نيسان 2014، وهي لم تُحقق أي تقدم في الجولات السابقة، بل إن التعنّت والاستبداد الإسرائيليين استمرا طوال مدة تولي بلير لمهمات الوساطة، ولم يُعلن هذا الأخير أي موقف يُشير إلى العدوانية الإسرائيلية لاسيما فيما يتعلق بموضوع الأسرى، وبناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي، ولا في موضوع الاقتحامات المُتكررة التي قامت بها قوات الاحتلال للمسجد الأقصى. يبدو أن اللجنة الدولية الرُباعية التي يتناقض أطرافها حول مقارباتهم لملفات المنطقة الساخنة، نسيت مهمتها كما نسيت دور منسق أعمالها توني بلير، وهي استفاقت بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، لتصدر بياناً مُقتضباً، قبلت فيه استقالة بلير، وشكرته على الخدمات المُميزة التي قام بها. واقع الحال يؤكد أن بلير لم يُسجل أي من الخدمات المُميَّزة، ولكن البيان يبدو أنه يُعبِّر عن خلفيات نوايا الأطراف الرئيسيين في اللجنة الرباعية، حيث الانجازات بالنسبة لهم أو الخدمات هو محافظة بلير على السيناريو القائم، والذي يرتكز على القضم المُستمر لأراضي الفلسطينيين، وإبقاء القضية الفلسطينية العادلة في ثلاجة الانتظار الدولية، خدمة لأطماع إسرائيل وتنفيذاً لرغبة أمريكية في تفتيت المنطقة، وتقسيمها، مما يجعل من إسرائيل والقوى الإقليمية الأخرى أصحاب الكلمة الفصل في تقرير شؤون المنطقة، بعيداً عن تأثيرٍ عربيٍ وازن. هل يؤدي بلير دوراً في استقالته، لم يؤده أثناء وجودهِ في الخدمة، وهو أن تكون هذه الاستقالة محطة لاستفاقة عربية وتوحيد الموقف لمواجهة الأخطار والتحديات؟