تفاقمت أخيرا الخلافات بين «وحدات حماية الشعب» الكردية، وفصائل من «الجيش الحر» لتطال مناطق سيطرتها في مدينة حلب، بعد تقاطع المعلومات حول تجاوزات كبيرة تقوم بها هذه الوحدات في الحسكة سعيا لإقامة دولة كردية منفصلة. وأعلنت غرفة عمليات «لبيك يا أختاه» التي تضم 15 فصيلا من الجيش الحر يوم أمس الخميس، «رفع درجة التأهب والنفير العام»، استعدادًا لشن عمليات عسكرية ضد عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية بحي الشيخ مقصود في حلب. وطالبت قيادة الغرفة في بيان المواطنين الأكراد والعرب في حي الشيخ مقصود بـ«التزام منازلهم وعدم الاقتراب من نقاط قوات (بي واي دي) بعد الساعة الواحدة من ظهر أمس، وذلك استعدادًا لبدء العمل العسكري في المنطقة». وتتهم الغرفة التي تضم «الجبهة الشامية» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» إلى جانب 13 فصيلا آخر، «وحدات حماية الشعب» الكردية بـ«الإساءة للمسلمين»، وكانت قد أمهلتها حتى ظهر أمس لتطبيق بنود اتفاق مبرم مسبقًا بينهما، تقول فصائل الجيش الحر في حلب، إن «الميليشيات الكردية تعهدت فيه بوقف التجاوزات بحق المدنيين العابرين في مناطق سيطرتها». واستبعد الناطق باسم «وحدات حماية الشعب» ريدور خليل، أن تؤدي «الخلافات البسيطة» مع فصائل «الحر» في حلب إلى اندلاع مواجهات عسكرية، معتبرا أنّه «يجري تضخيم الأمور من قبل جهات غير مرتاحة لحالة الوئام بين المكونات المتوحدة في حيي الأشرفية والشيخ مقصود». وأكد خليل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» سعي الأكراد لاحتواء أي توتر حاصل في حلب، «خاصة أننا تواصلنا مع الأطراف الأساسية الفاعلة على الأرض التي تنصلت من غرفة عمليات (لبيك يا أختاه)، والتصريحات الصادرة عنها». وأضاف: «لا أتوقع أن تتطور الأمور إلى مواجهة عسكرية، ولكن إذا تم الاعتداء علينا فلا شك أن ردّنا سيكون صارما، علما بأن لدينا كثيرا من السلاح في حلب، مما يمكننا من التصدي لأي هجوم قد نتعرض له». وأعلنت «الجبهة الشامية» مطلع شهر مايو (أيار) الماضي وقف تعاونها مع القوات الكردية في حي الشيخ مقصود، ردا على ما قالت في وقتها إنها «اعتداءات متكررة» من قبل الوحدات و«قوات الأسايش» الكردية، التي هي قوات أمن داخلي وشرطة تابعة لحزب «الاتحاد الديمقراطي»، على المدنيين. وانسحبت «الجبهة» من المخفر المشترك في حي الشيخ مقصود، موضحة أن ذلك يأتي نظرًا لـ«الاعتداءات المتكررة من قبل قوات الأسايش الكردية على المدنيين، التي كان آخرها الاعتداء على امرأة؛ بسبب رفضها إخلاء منزلها في حي الشيخ مقصود». ولا تقتصر الخلافات بين قوى المعارضة السورية العسكرية و«وحدات حماية الشعب» الكردية على مدينة حلب، بل تتركز في الحسكة، وأفادت شبكة «الدرر الشامية»، أمس، بـ«امتداد سياسة التطهير العرقي التي تمارسها الميليشيات الكردية ضد القرى العربية، من محافظة الحسكة إلى ريف حلب». ونقلت الشبكة عن مصادر محلية، أن «(وحدات الحماية) الكردية، فجّرت عشرات المنازل في قرية تل أحمر العربية، بالريف الجنوبي لعين العرب بريف حلب، بحجة أنها منطقة عسكرية، علمًا بأن سكان هذه القرى مدنيون لا صلة لهم بأي فصائل عسكرية أو أي توجُّه سياسي». وقالت الشبكة إن الفصائل المنضوية في غرفة عمليات «بركان الفرات»، أحرقت مئات الأشجار والهكتارات من المحاصيل الزراعية في القرى العربية بريف كوباني بعد سيطرتها عليها بحجة التخلص من الألغام التي خلفها تنظيم «داعش». ونقلت عن ناشطين في المنطقة أن «الميليشيات الكردية تقوم بسياسة التهجير الممنهج بحق المدنيين العرب من قراهم بريف عين العرب، كما ترتكب كثيرا من الانتهاكات بحقهم؛ أبرزها الاعتقال التعسفي وتفجير المنازل وحرق المحاصيل الزراعية». ورد الناطق باسم «وحدات حماية الشعب» ريدور خليل على هذه الاتهامات، واصفا إياها بأنها «ادعاءات غير صحيحة»، عادّا أنّها تأتي «ردا على الانتصارات التي تحققها الوحدات في الحسكة». وشدّد خليل على أن حرب الوحدات مقتصرة على مواجهة «داعش»، وقال: «حربنا لا تطال المكون العربي الذي نعتبره شريكا لنا بمواجهة الإرهاب، ولكن هناك من يحاول إشاعة العكس لتشويه سمعة الوحدات خدمة لـ(داعش) بعد الهزائم المتتالية التي يتكبدها». وأشار خليل إلى أنّه «بعد تحرير الوحدات وقوات المعارضة الأخرى نحو 4 آلاف كلم في الحسكة، تتم حاليا وبصعوبة إزالة الألغام كي تتم إعادة كل المواطنين إلى قراهم، مما يدحض كل الاتهامات بتهجير سكان هذه القرى». ويعتبر الآشوريون السوريون أن المعارضة السورية السياسية أخطأت في تعاملها مع المسألة القومية الكردية على حساب بقية القوميات السورية الأخرى. وفي هذا السياق، أوضحت وكالة «آكي الإيطالية» عن مصادر سياسية آشورية معارضة في الداخل السوري، أن «النقد موجه خصوصًا لمعارضة الداخل ممثلة بهيئة تنسيق قوى التغيير الديمقراطي التي أعطت ضوءًا أخضر للأكراد لبحث حق تقرير المصير والانفصال». وأشارت المصادر إلى أن «آشوريي الجزيرة السورية يدرسون ما يمكن اتخاذه من إجراءات لوقف الآثار السلبية لموقف الهيئة من الأكراد على حساب الآشوريين وبقية القوميات السورية». وقالت إن «الأمر قد يصل إلى حد المقاطعة السياسية وشن حملة إعلامية للتوضيح للرأي العام كيف أن قرارات الهيئة فيها تفريط بالوحدة الوطنية للدولة السورية، وتُقسّمها إلى كيانات عرقية وطائفية». وأكد سليمان يوسف، الباحث الآشوري المعارض، المهتم بقضايا الأقليات، صحة التجاوزات التي يقوم بها الأكراد، لافتا إلى أنّه «منذ بداية الأزمة السورية بدأت المعارضات في الداخل والخارج تنفخ في قضية الأكراد السوريين، وتُبالغ في وصف وتعريف الوجود الكردي في سوريا، ليس قناعة بهم، بل محاولة لكسبهم لتقوية مواقعها في المعادلة السياسية، في حين تجاهلت تلك المعارضات قضية الآشوريين السوريين التي لا تقل شأنًا وأهمية عن القضية الكردية، وهي أكثر حساسية وأهمية على الصعيد الوطني والحضاري والمساواة» بين السوريين. وأشار يوسف إلى أن الآشوريين (سريانًا وكلدانًا) في سوريا يعدون «ما تأسست عليه هيئة التنسيق الوطنية بخصوص القضية الكردية، استند إلى الإقرار الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي والعمل على إيجاد حل ديمقراطي وعادل لها، وفقًا للمواثيق والعهود الدولية ضمن إطار الوحدة الوطنية، والعمل على حماية وتطوير اللغات والثقافات السريانية والآشورية والكلدانية، وفق المؤتمر الاستثنائي لفرع المهجر». وأردف: «يتضح من هذا القرار أنه ترك سقف الحقوق القومية للأكراد السوريين مفتوحًا ليصل إلى تقرير المصير والانفصال، بينما تجاهل القضية الآشورية، واكتفى بإشارة خجولة لبعض الحقوق الثقافية، لها علاقة باللغة، وكأن الآشوريين جاليات أجنبية وافدة إلى سوريا وليسوا مواطنين أصلاء».