أعجب رجل الأعمال الذي تجاوز العقد الخامس من عمره بسكرتيرته الشابة الحسناء، فراح يردد على مسامعها كلمات الغزل والإعجاب، أما هي فكانت تتدلل عليه مرة وتضحك له مرات وتذكره أنها في مثل عمر ابنته، وترجوه بدلال وكأنها تتوسل إليه أن يرحمها من كلماته الملتهبة التي أضعفت مقاومتها حتى أنها تكاد تنهار من سحر عينيه، وكان رده عليها أن الحب لا يعرف اختلاف الأعمار، وعليها أن تستجيب له قبل أن يقضي عليه الشوق والهيام. واصل مطاردتها وملاحقتها كلما سنحت له الفرصة، طلب منها اللقاء بعيداً عن زحام العمل وأكوام الملفات وعندما شعرت بلهفته الحقيقية على اللقاء، انخرطت في دور جديد عليها، أخبرته أنها من أسرة محافظة ومتدينة ولا يصح لها أن تخرج مع رجل غريب عنها مهما حدث، وأن التقاليد والقيم والأعراف التي تربت عليها تمنعها من ارتكاب هذه الجريمة، كما أنها محل أنظار الكثيرين والعيون تراقبها أينما ذهبت وتحسب عليها كل حركة بل كل لفتة، وأنه يعلم تماماً أن الخطاب يتوافدون عليها ليل نهار ولا يمكن لها أن تسيء إلى نفسها بتصرف متهور كالخروج معه في الأماكن العامة. كانت رضوى قد شعرت منذ سنوات عمرها الأولى بأنها تحظى بقدر كبير من الاهتمام بجمالها وانتبهت إلى ذلك أكثر حينما كانت تتوسط زميلاتها بالمدرسة أثناء توجههن إلى المدرسة أو عودتهن منها، حيث كانت تحظى بالقدر الأكبر من عبارات الإعجاب والغزل من بعض المراهقين والشباب الذين يلتقون بهن في الشارع، بعد أن انتهت من دراستها وحصلت على دبلوم المدارس الثانوية التجارية، بدأ العديد من الشباب يتقدمون لخطبتها إلا أن إمكاناتهم المادية المتواضعة بحكم حداثة تخرجهم جعلتها ترفضهم دون تفكير، فقد كان حلمها الأكبر الارتباط بشخص ميسور مادياً يستطيع أن يشتري لها الفساتين الفاخرة التي تظهر جمالها وتبرزه، ويكون قادراً على تحقيق التطلعات التي تحلم بها، وبدأت بقراءة إعلانات الوظائف في الصحف المختلفة للبحث عن وظيفة مناسبة، حتى ابتسم لها القدر عندما قرأت إعلاناً عن شركة تطلب سكرتيرة حسنة المظهر. ووجدت رضوى في جمالها تعويضاً كافياً عن ملابسها المتواضعة وهرولت إلى العنوان المدون بالإعلان واستجابت لها السماء وحصلت على الوظيفة وكان جمالها هو جواز المرور، بعد نحو عام من عملها بالشركة تزوجت السكرتيرة الخاصة لصاحب الشركة وتقدمت باستقالتها وفقاً لرغبة عريسها، فأخذ صاحب الشركة يبحث عن بديلة لها ضمن موظفاته فوقعت عيناه على رضوى واختارها للعمل معه كسكرتيرة وكان اختياره لها نقطة تحول في حياتها، في البداية كانت تحلم بما ستتقاضاه من حوافز ومكافآت بسبب عملها كسكرتيرة لصاحب الشركة شخصياً، لذلك أخرجت كل مدخراتها واشترت ملابس جديدة تليق بموقعها الجديد فازدادت جمالاً وجاذبية على جمالها. وكان أول المنجذبين إليها عاطف صاحب الشركة الذي تجاوز الخمسين من عمره وبدأ في البداية يغازلها بنظراته التي كانت تشعر، وكأنها تخترق كل جسدها وتطور الأمر تدريجياً إلى أن بدأ يلقي على مسامعها كل ما حفظه خلال حياته الطويلة من كلمات غزل وإطراء على جمالها ورقتها وخفة ظلها وعلى حسن حظه بأن تكون فتاة جميلة مثلها من بين موظفي شركته ،ولم تصده رضوى بل تركت له الباب موارباً ومع مرور الأيام ازدادت جرعة الدلال التي تعطيها إليه حتى نجحت في تأجيج نار الشوق والرغبة لديه، فقد كانت تنتظر مثل هذه الفرصة فليس لديها ما تخسره. وبقدر ما طمع هو في جمالها وشبابها، طمعت هي في ثروته ورأت فيه الحل المناسب لعبور صحراء الحياة الوعرة التي تعيشها والتي لا تترك لها مجالاً للرومانسية أو حتى الأحلام الوردية، وبالطبع رجل ثري مثله يعتبر صفقة رابحة ويمكن أن يكون طوق النجاة للخروج من عنق الزجاجة والفقر المدقع الذي تعيش فيه وتتمتع معه بنعم الحياة. في أحد الأيام طلبها عاطف في مكتبه وطلب منها الجلوس ليتحدث إليها في أمر مهم، فجلست أمامه وأخذت تتفحص وجهه وهو يتحدث إليها بلهفة العاشق طالباً أن تأمره فينفذ فوراً أياً كان مطلبها، لكن عليها أولاً أن تسمح له بلقاء واحد خارج الشركة ولو لمدة خمس دقائق حتى يشرح لها ظروفه لأنه قرر الارتباط بها، شعرت بالسعادة تسرى داخلها وإحساس بنشوة كبيرة لم تشعر بها من قبل واستجابت إلى طلبه وخرجا معاً، طلب منها أن ترحمه من عذاب الشوق والسهد وتوافق على زواجه منها فهو لا يتصور أن يستكمل باقي حياته من دونها بشرط أن يكون الزواج عرفياً دون علم أحد من المحيطين بهما نظراً لمكانته الاجتماعية ومركزه الحساس كرجل أعمال لا يجب أن يضع نفسه في مرمى الشائعات والقيل والقال علاوة على رغبته في الحفاظ على كيان أسرته من الانهيار، ثارت في وجهه وأكدت أنها لا هي ولا أسرتها يمكن أن يوافقوا على الزواج العرفي مهما كانت المغريات لكنه لم يستسلم وأخذ يلح عليها وأخبرها أنها ستحصل على كل الضمانات اللازمة لاستمرار الزواج، كما وعدها أنه لن يفرط فيها أبداً فقد ملكت عليه كل مشاعره واستولت على عقله وقلبه وكيانه، وأكد لها أنه لا بديل أمامه سوى ذلك في حالة إذا ما أرادت الارتباط به وواصل إلحاحه حتى وافقت بعد أن وعدها بدفع المبلغ الذي تطلبه كمهر لها، وبالفعل دفع لها مبلغاً كبيراً كما اشترى لها شقة تمليك بأحد الأحياء الراقية واختفت رضوى فجأة من الشركة دون أسباب واضحة. تم الزواج العرفي بعلم أسرتها رغم بعض الاعتراضات التي أبداها أبوها خاصة كون الزواج سرياً. وأقاما بالشقة التمليك التي اشتراها لها وكانا يقضيان بالشقة أجمل الأوقات وقدم لها عاطف كل صنوف الهدايا الثمينة، ولم يبخل عليها بشيء وشعر بأنه أسعد رجل في العالم وأن عجلة الزمن عادت بعمره إلى الخلف، إلى أيام الشباب الجميل. فقد تفننت رضوى كأنثى في إسعاده، حتى شعر بأنه لم يتزوج من قبل. وزاد الوقت الذي يقضيه معها تدريجياً وكان يختلق الأعذار ليقضي معها أكبر وقت ممكن لكنه كان حريصاً كل الحرص على قضاء الليل في منزله الأول بين زوجته وأولاده حتى لا ينكشف أمره أمام زوجته الأولى، التي هي أساس نجاحه في عمله والتي وقفت بجانبه وحققت له النجاح بعد حصولها على ميراثها من والدها. وفي الوقت نفسه تحتفظ بالنصيب الأعظم من الأموال باسمها وباسم أولادها. مع اضطراره أحياناً إلى التأخر عن منزله والمبيت خارجه بدأت زوجته تشك في أمره بعد أقل من عام. وكلفت موظفة بمكتبه تدين لها بالولاء بمراقبة تحركاته وتصرفاته واستطاعت الموظفة أن تتوصل إلى حقيقة الأمور، أشعلتها الزوجة ناراً حامية وهددته بالانفصال عنه وأن عليه أن يختار بين أسرته وبين السكرتيرة اللعوب التي خدعته حتى يتزوجها، أسقط ما في يده وأسرع إلى رضوى وأخبرها بما حدث وطلب منها أن ينسحب من حياتها بهدوء ولا داعي لحدوث أزمة وكأن شيئاً لم يكن، ثارت ثائرة رضوى وأخذت تحاول أن تستعطفه بالجنين الذي يدب في أحشائها، لكنه تنصل منها ومن وعوده لها ومزق عقد الزواج العرفي الذي يربط بينهما وتركها. عقب وضعها طفلها لجأت رضوى إلى محكمة الأسرة وأقامت دعوى تطلب إثبات نسب الطفل إلى أبيه عاطف وقدمت صورة من عقد زواجهما العرفي واستشهدت بالجيران الذين كانوا يشاهدونه وهو يتردد عليها في شقتها ليلاً ونهاراً، كما قدمت عدداً من الصور الفوتوغرافية التي تجمع بينهما في أوضاع مختلفة. بعد الاطلاع على المستندات وسماع الشهود أصدرت المحكمة حكمها بثبوت نسب الطفل الصغير لوالده استناداً إلى مبدأ أن الطفل ابن الفراش.