ماذا لو كانت أيقونة السينما الفرنسية لم تزل في سن المراهقة؟ فعندما بدأت كاترين دونوف الظهور في فيلمها الأول التلميذات، وهي في الثالثة عشرة، لم يكن لديها أدنى شك في أن ظهورها هذا سيكون له شأن في أحد الأيام. وبمناسبة صدور فيلمها الأخير الوقوف شامخاً من إخراج إيمانويل بيركو الذي افتتح به مهرجان كان السينمائي الدولي دورته الأخيرة، كان لمجلة إيل الفرنسية هذه المقابلة الحصرية مع النجمة الفرنسية. علماً أن المخرجة بيركو التي كتبت للنجمة دونوف فيلمها السابق الراحلة، سبق أن رسمت لها منذ سنوات دور قاضية للأطفال (الأحداث)، لأنها ترى أنها تتمتع بسلطة في شخصيتها وحضورها، تترافق مع لطف كبير، وها هي تحقق الدور في الوقوف شامخاً. } إنها المرة الأولى التي تجسّدين فيها دور القاضي، فهل كان لديك أي تصور لتجسيد القانون؟ - لا؛ لأنه بالنسبة لي، هذه الشخصية لا تمثل القانون. إنها قاضية متخصصة في الأحداث، وهذا يعني أنها شخصية تضع التعليم والمساعدة والحماية قبل العقوبة الجنائية. وفي هذا الدور، أردت أن أكون منصفة قدر الإمكان، وبكل معنى الكلمة. ليس بألا أرتكب الهفوات فقط، لكن أن أكون متناغمة مع نفسي وأتّبع الطريقة المثلى لكيفية تحدث القضاة إلى الأطفال، رغم أن هناك الكثير من الطرق لفعل ذلك. ذهبت لبضعة أيام إلى المحكمة العليا في بوبيني، وهي خاصة بالأحداث، وراقبت تعامل القضاة مع الأطفال، بل وحضرت مقابلات مع القضاة والمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين والأخصائيين النفسيين ومحامي العائلات. } ما أكثر ما فاجأك في هذه التجربة؟ - الزمن، حيث اندهشت للزمن المخصص لهؤلاء الأطفال، والصبر الذي يتحلى به الأشخاص المعنيون، وثقتهم بمستقبل واعد للجميع، رغم الأوضاع التي تبدو ميؤوساً منها. نتحدث دائماً عن غياب الوسائل التي تطبق من خلالها العدالة، ولا نذكر الطريقة التي يبذل قضاة الأطفال وجميع من حولهم الكثير من الجهد الشخصي، لتطبيقها على أفضل وجه. سررت جداً بانخراطي في هذه الدورة، وسوف أستمرّ فيها، لأن قضاء الأحداث هو حقاً قضاء خاص. } الوقوف شامخاً كان فيلم افتتاح مهرجان كان السينمائي، فهل توقعت ذلك؟ - على الإطلاق، بل لم أكد أصدق الأمر، ففي العادة يكون الافتتاح بأفلام ضخمة لا تحتاج إلى وجود مهرجان للحديث عنها، لذلك ما أحبه في المهرجانات الدولية، أنها تعطي للأفلام فرصتها. } لكن الفيلم لم يدخل ضمن المنافسة، لماذا؟ - أياً تكن، فالمنافسة هي منافسة، وهذا أمر لا يهمّني كثيراً لأنني لا أحب المكافآت. هي جيدة في حينها، لكن لا قيمة لها بعد ذلك، كما أنها لم تجعل أي ممثل حصل عليها أفضل من غيره، فدائماً يكون هناك شكوك. } مع ذلك كنت بنفسك من بين الشخصيات التي تقدم الجوائز وتحكم في مهرجان كان، عندما كنت نائبة رئيس لجنة التحكيم، إلى جانب كلينت إيستوود عام 1994. فهل لديك ذكريات جيدة عن تلك التجربة؟ - تألفت لجنة التحكيم من أشخاص من مختلف الجنسيات، وهذا في حدّ ذاته أمر جيد، ولكن في ظل وجود الكثير من المترجمين الفوريين، لم تكن لدينا إمكانية الوصول المباشر إلى كلمة الآخر. لم يكن الجميع يتحدثون الإنجليزية، لذا شعرنا بنوع من عدم الحرية والراحة في المناقشة. ويبدو أنه لم يكن هناك ما يكفي من الاجتماعات والمناقشات العفوية، بل مجرد عبور سطحي على الأمور، بل إن القرار النهائي للفوز بالسعفة الذهبية تمّ بسرعة كبيرة جداً. فضلاً عن ذلك، بما أنه يفرض علينا واجب السرية، كان من غير الممكن التنويه بأي فيلم بعد مشاهدته. وكنت أنا من تولّى هذه المهمة، لأنني كنت أرغب في لقاء كلينت إيستوود، وكان عليّ أن ألعب الدور الذي كانت تقوم به ميريل ستريب في فيلم على طريق ماديسون، ولكنني أتساءل عمّا إذا كان إيستوود من جانبه لم يقبل بذلك إرضاء لمنتجيه؟ والمعروف أن مهرجان كان متطلب كثيراً، وأن تكون حاضراً فيه من أجل تقديم فيلمك فهو شيء رائع، إنما أن يكون عليك لقاء مع المصورين والصحافة لمدة 15 يوماً، فهذا أمر مبالغ فيه ومرهق. } الأمر متعب أكثر من اللازم بالنسبة لك؟ - أحتاج إلى العزلة، وأن أكون بمفردي لأحلم بالأفلام، ومعرفة رأيي الحقيقي بها، أو التحدث إلى شخص آخر في الهواء الطلق، بعد رؤية الفيلم، والمشي... وأكثر ما أحبه في مهرجان كان، هو صالة السينما، ثم العودة مباشرة إلى غرفتي في الفندق. } ما الفيلم الذي كسرت من خلاله القوالب النمطية الخاصة بصورتك؟ - بالطبع بيل دو جور للمخرج لويس بونويل، فهذا الفيلم ترك أثراً بعد الصوره التي كانت معروفة عني وهي: النار تحت الجليد، واللعبة المزدوجة، والحياة المزدوجة، ولا أعرف ماذا قالوا أيضاً. وأعتقد أن كسر القوالب النمطية هو أحد الأشياء التي يمكن للفن أن يحققها لنا. } هل هي نسخة طبق الأصل جعلتك تتعلمين شيئاً جديداً عن نفسك؟ - لا شيء ينطبق منها علي ولكن يمكنني أن أخرج واحدة تتوافق معي من فيلم حورية الميسيسيبي لفرانسوا تروفو، أو من موسمي المفضل لأندريه تيشينيه. لقد كانت الحوارات في فيلم حورية الميسيسبي خاصة جداً، لأن فرانسوا كتبها يوماً بعد يوم أثناء التصوير. وكان هناك كلام يعكس بالتأكيد الطريقة التي كان ينظر بها إليّ جان بول بلموندو. } مالوني، الشاب الصغير في فيلم الوقوف شموخاً يتخلى عن المدرسة مبكراً، فهل جعلك التمثيل تتركين المدرسة في المرحلة الثانوية، علماً بأنك كنت لا تزالين شابة. هل أنت نادمة؟ - الحقيقة أننا لا ندرك ما ضاع منا في اللحظة. فوالدتي عارضت توقفي عن الدراسة، في حين وافق والدي، كي أكون ممثلة، مثل أختي وأمي وجدتي. ما شجعني على دخول هذا العالم هو اختياري لتمثيل فيلم مع ميل فيرير، وذلك بناء على نصيحته، لأنه وجدني صورة مصغرة عن أودري هيبورن. والحقيقة أنني أؤيد بشدة تعليم الأطفال، وأعتقد أنه من المفيد جداً معرفة أشياء غير مجدية، لأنه ربما لن تتاح لنا الفرصة لتعلمها لاحقاً. } قلت يوماً إنك لا تزالين شابة ومراهقة، وهذا شيء يبدو حقيقة أبدية بالنسبة لك. هل هذا صحيح؟ - نعم صحيح، لكن فات الأوان بالنسبة لي لأصبح سيدة جادة. وكان لا بدّ لي أن أحضر نفسي لذلك في وقت سابق، أو أن أتزوج من أمير. وأنا جادة فيما أقول. } كيف تفاهمت في الفيلم مع شريكك الشاب رود بارادو؟ - منذ أن رأيت صورته، اعتقدت أنه الشخصية المناسبة، وكنت أميل إلى حمايته عندما كانت إيمانويل بيركو تغضب منه، ونحن في خضمّ تصوير مشهد ما. إنه شاب رائع وأعتقد أن تصوير الفيلم جعله ناضجاً. وعندما قابلته مديرة اختيار الممثلين كان لا يزال يمتحن لنيل شهادة الكفاءة المهنية في النجارة. وأحد الأشياء التي أحببتها في الفيلم، أنه لم يكن فيه ممثلون محترفون. وعندما كنت في المركز التعليمي، كنت مع مراهقين من المؤسسة أو شبان في مكان العمل، يتحدثون بعفوية لا يمكن أن يفعلها أي ممثل محترف، وهذا يعني أن سارة فوريستير كانت رائعة في دور الأم المثقلة بالأعباء. } كيف فعلتِ لتدهشي رود بارادو بما أنك ممثلة محترفة؟ - لا أعتقد أنني كنت أمثل أي شيء خاص بالنسبة لهذا الممثل الشاب، فقد قال لي: والدتي وجدتي تعرفانك، أما أنا فلم أكن أعرفك حقاً. } ما رأيك في العبارة التي وجهتها له نحن لسنا هنا لنحبك، نحن هنا لمساعدتك؟ - القاضية لم تقل له إنها لا تحبه، ولكن في وظيفتها، عليها أن تقدم المساعدة للجميع، حتى أولئك الذين لديها معهم علاقة ما. وأعتقد أنه يجب أن تحمي نفسها كي تستمر في التحرك وألا تفقد الأمل. ولكي لا تذوب في التعاطف والمشاعر العنيفة، عليها أن تواجه المواقف الصعبة دائماً وأن تعمل على استباق خيبات الأمل والمشكلات.