تبدأ الحكاية من «نادٍ ليلي»، والغريب انها تبدأ من هناك مراراً. ففي اللحظة التي مضت كان المطرب يتغنى بفحولة صدام حسين، يتغزل بطوله وصفاته، وحتى بسبابته عندما جرحت... والراقصات كن يتمايلن على وقع خطوات «ابو هدلة». اما اليوم فالمطرب الشعبي نفسه يتغنى بالمالكي والراقصات عدن للتمايل على اهازيج «مختار العصر» و «قاهر الارهاب». لكن المالكي، في نظر المطرب الشعبي والمقربين منه ايضاً، «مظلوم، مفترى عليه، لا يعتدي على أحد فيما الآخرون يستفزونه مراراً». في لقاء تلفزيوني أخير مع المالكي لم يتردد في ارتداء حلة «المظلوم»، فالقوى السياسية تستهدفه عندما تقول عنه انه «ديكتاتور» وتهين حكومته عندما تقول انها «فاشلة»... ودول مجاورة لا تتوقف عن التآمر عليه، بل ان مستوى التآمر وصل الى عائلته المفترى عليها بدورها. فابنه احمد ليس ابداً «عُدي جديداً»، بل هو موظف صغير في مكتبه: «الآخرون جميعهم يعينون أبناءهم في مكاتبهم»... وأحمد يمتلك مميزات اضافية، فهو يقوم بتكليفات خاصة لاعتقال اشخاص «تخشى» القوى الامنية والجيش ولواء الحرس الخاص والمخابرات اعتقالهم. لقد «ركب سيارته واعتقل رجل اعمال وجد لديه سيارات مسروقة واسلحة كاتمة للصوت، واستولى على 6 بلايين دينار من الدولة». المثير ان رجل الاعمال المقصود نمير العقابي، وهو بليونير غامض بنى اسطورته خلال اعوام من المقاولات مع القوات الاميركية، اطل بعد ايام في برنامج تلفزيوني للدفاع عن المالكي: «نعم دولة الرئيس على حق». العقابي حر بعد كل الاتهامات من رئيس السلطة التنفيذية... بل انه يطلب «المزيد من التسهيلات لمشروعاته العملاقة التي لم تنفذ على الأرض حتى اليوم». المالكي يعيد انتاج فلسفة «القائد المظلوم» متخلياً عن صورة «القوي المقتدر» كما يحلو لأنصاره تسميته، و «الديكتاتور المتفرد» بعيون معارضيه، فيقول في خطاب ان «الشعب لا يحب الحكومة». حتى الشعب بات يظلم المالكي! للشعب ايضاً كبواته... ربما لم يعد يطيق صور «قائد الامة» منتشرة في نقاط التفتيش... ربما لم يعد يصغي كثيراً إلى فكرة الموت المجاني والحرب الاهلية من اجل الزعيم! للحكاية أوجه مختلفة... الانهيار الامني لا مكان له في «الملهى الليلي». فكبار ضباط الجيش والشرطة ومكاتب الحكومة المجتمعون بسياراتهم الفارهة وحماياتهم الكثيفة في جلسة السمر وسط بغداد «منتصرون في معاركهم»... أبرز انتصاراتهم رمي عشرات آلاف الدولارات على رأس المطرب المنتشي الذي يهتف بثقة: «قولوا للجيش الحر ان العصائب لن تترك مرقد العقيلة!». رجال المالكي مظلومون بدورهم عندما توجه اليهم اصابع الاتهام بالفساد... ليس من المنطقي ان تسأل ضابطاً او موظفاً يتلقى راتباً معلوماً من الدولة كيف اكتسب ثروة يبدد منها يومياً الآلاف من الدولارات في النوادي الليلية! انه مجرد استهداف سياسي، محاولة لثني الرجل عن «الولاية الثالثة» عبر التشكيك بجيش الموظفين والمستشارين ورجال الامن الذين يدينون له بالولاء وقد اصبحوا ملاكاً ورجال اعمال وطبقة تنظر الى ما دونها بعين الفروق الطبقية. يمتد سوء الفهم وسوء النيات لدى المعترضين الى كل سلوك او تصريح يدلي به سيد بغداد... ان تسفك دماء العراقيين في الشوارع يومياً، لا يعني ذلك بالضرورة ان كل الخطط الأمنية والاجراءات والاعتقالات وصفقات التسليح «فاشلة»... انها قراءة عبر منطق «الكأس الفارغ»... والصحيح ان الارهابيين يفشلون في الوصول الى «المناطق الحيوية» فيستهدفون الاسواق والشوارع. فشل الارهابيون في عملية سجن ابو غريب حتى بعد ان اطلقوا 500 من كبار قادتهم، كان سيسجل انتصاراً لهم لو انهم مكثوا في بناية السجن واداروها بأنفسهم. فشلوا عندما هاجموا بعشرات الجنود الذين يرتدون الزي العسكري ويستقلون سيارات قوات «سوات» بلدات عانة وراوة والفلوجة وحديثة... وبالتأكيد فشلوا عندما اقتحموا وزارة العدل بالقرب من اسوار المنطقة الخضراء. لم يفشل الارهابيون فقط... بل ان القوى السياسية العراقية التي عارضت المالكي وحاولت ازاحته فشلت، لم تفكر ببديل عنه، تناست مقولة الرئيس طالباني الشهيرة «بديل المالكي هو المالكي نفسه». فشل السياسيون العراقيون في اقناع قاسم سليماني وجوزيف بايدن بفك تحالفهما الوثيق في نحت مسارات الحكم في العراق. لا يفكر احد بنجاح المالكي... ينتظر الجميع كبواته... يتصيدون اخطاءه، يحولون زلات لسانه الى خناجر، لا يفهمون حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه. فهو رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والداخلية والامن الوطني ومدير أجهزة الاستخبارات والاستخبارات. اعداء المالكي مصابون بـ «عقدة الاضطهاد». لن يتمكنوا من النظر ابعد من حدود علاقتهم المَرضية بالزعيم... يناصبونه العداء بمقدار تماهيهم معه، وأملهم باحتلال كرسيه. «القائد المظلوم» لن يتمكن من معالجة خصومه، سيضطر الى مواجهتهم بملفاته المكدسة عن جرائمهم... يتحفظ على كشفها «اشفاقاً على مصير العملية السياسية». لكنه سيكشفها في اية لحظة كما فعل مع طارق الهاشمي. لم يردعهم درس الهاشمي، لم يتراجعوا عن جرح الزعيم... الزعيم الذي «لا يعتدي على أحد لكن الآخرين يستفزونه مراراً»!