تميز يوم أول من أمس، ضمن فعاليات موسم طانطان الثقافي، بانطلاق الكرنفال الاستعراضي بمشاركة دولة الإمارات، على طول شارع الحسن الثاني، أكبر شوارع مدينة طانطان. وانطلق الكرنفال الاستعراضي في جو احتفالي وحضور جماهيري كثيف فاق كل التوقعات، حيث اصطفت على طول شارع الحسن الثاني حشود من سكان مدينة طانطان والوافدين عليها من كل الجهات، للاستمتاع بهذا الجو السنوي البديع. دعم واعتزاز عبّر سكان محليون وضيوف عن ابتهاجهم بالكرنفال الذي عرف تطوراً لافتاً في هذه الدورة، وقالوا إنهم ألِفوا وجود الإماراتيين بزيهم التقليدي وفرقهم وتراثهم وانسجام فرقتهم الموسيقية منذ السنة الماضية. وقال أحد المسؤولين المغاربة، إنّ الفنون الشعبية بين المغرب والإمارات متقاربة وناتجة عن ذلك التلاقي وعمق الروابط الثقافية، وحضور الفرقة الشعبية الإماراتية للمشاركة في موسم طانطان يعكس قيمة الموروث الحضاري لشعب الإمارات. وعبّر مسؤولون عن اللجنة المنظمة عن اعتزازهم بهذه المشاركة التي تترجم عمق الروابط بين المغرب والإمارات. وقدمت فرق محلية مغربية من طانطان ومن الأقاليم المجاورة رقصات وأهازيج محلية، منها فرقة الدقة الرودانية، وأحواش، وفرقة الكدرة. كما تم استعراض فرق من الخيالة الذين قطعوا شارع الحسن الثاني حتى المنصة، حيث أدوا التحية، وأكملوا المسير. واستعرضت فرقة من القوات البحرية في نظام وثبات تحت أنظار الحضور الرسمي والشعبي، ذلك أنّ طانطان بها أكبر ميناء لتصدير السمك بالمغرب، وتم استعراض مجموعة من القطاعات لمنتوجها. محمد المزروعي حاضر كان للوحة الراحل محمد بن خلف المزروعي، التي رسمتها الفنانة التشكيلية الإماراتية بدور آل علي، بروعة فائقة وجمال بديع، الحظ الأكبر من دعاء وترحم وإعجاب زوار موسم طانطان في نسخته الـ11. وضعت بدور اللوحة بجمال متناهٍ في أحد أركان معرضها التشكيلي الفردي، ونسّقت حول لوحة محمد بن خلف الشموع البيضاء بشكل راقٍ وأنيق، ما عكس عليها حباً وحميمية بالغين للراحل محمد خلف، بقدر الحب الذي يحمله قلب كل من عرف هذا الشخص المعطاء. وقالت بدور إنّ لهذه اللوحة في ذاكرتها قصة تحكي آخر حديث دار بينها وبين المرحوم محمد خلف في إحدى المناسبات الثقافية التي كان يشرف عليها، واللوحة نابضة بالكثير من الودّ والاحترام والتقدير، بقدر ما عرفته عن محمد خلف، المعتز بوطنه، والمحافظ على عاداته وتقاليده، بكرم الأخلاق، وحسن الضيافة، وطيب المعشر. وذكرت بدور أنّ فقيد الوطن والثقافة والأدب والتراث محمد خلف المزروعي، سجل له بمداد من الفخر دأبَه من العطاء والإبداع، وبصماتِه الوطنية الخالصة في المسيرة الثقافية والتراثية والإعلامية لدولة الإمارات العربية المتحدة باقية، لاسيما دوره التأسيسي في مسابقة أمير الشعراء، وبرنامج شاعر المليون، والمعرض الدولي للصيد والفروسية، وغير ذلك من الأنشطة الثقافية والتراثية، ومسؤولياته الأخرى في ميادين الثقافة والأدب والشعر والإعلام والفروسية والصيد وغيرها، وحرصه وعمله الدؤوب لتكريس العاصمة الحبيبة أبوظبي عاصمة ثقافية عربية. ألعاب تقليدية أضافت الألعاب التقليدية للاحتفال نكهة خاصة، حيث قدمت مجموعة من الأطفال لعبتي الكبيبة والروخ، وهما من التراث الصحرواي، ومن الألعاب الخاصة بالأطفال الصغار التي تؤهلهم ليصبحوا رجالاً أشداء وأقوياء في المستقبل، ليقاوموا قساوة الصحراء. وتميّز الكرنفال الاستعراضي بعرض صورة للعروس التي تُحْمَلُ إلى زوجها فوق الهودج، بلباسها التقليدي الأصيل، الذي يعبّر عن تراث هذه المنطقة الصحراوية، وكان حضور الجمل قوياً، بحيث قطعت الشارع، ومن أمام المنصة الرسمية، كوكبة من الإبل، في توافق تام ورضوخاً لسائسها. وشاركت بكثافة مجموعة من الفرق التراثية المحلية في لوحات فنية غنية بحمولات تراثية تُعبّر عن عراقة الموروث الثقافي لطانطان والصحراء بصفة عامة، وتميز الكرنفال باستعراض رقصات محلية، كرقصة الكدرة، وهي آلة تشبه الطبل مصنوعة من الطين ومغلفة بجلد الإبل، وتمت تسميتها بذلك كون حركات الرقصة تتماشى مع إيقاع قرع الطبول. وبعد وقوف الجميع تحية للعلم المغربي، من الوفد الرسمي والسكان والزوار، توالى قدوم الفرق المشاركة، وصفق الحضور طويلاً لتلك اللوحات الفنية التي أبدع فيها أطفال لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات، وقد مزج المنظمون بعض الفقرات التراثية بأسلوب موسيقي ورقص جديد، فتم إخراج صورة فنية مدهشة، أبطالها أطفال ذكور وإناث. وعرف الاحتفال لهذه السنة تنظيماً مُتقناً، سواء من ناحية تقديم الرقصات من طرف الرجال والنساء، أو من خلال تسيير الفرق بسلاسة ودون تخبط، وقطع الكرنفال شارع الحسن الثاني على نغمات موسيقى صحراوية، وأخرى داخلية، وإيقاعات للطبل، في تمازج أخّاذ. فرقة أبوظبي للفنون الاستعراضية فرضت حضورها، حيث وقف الوفد الرسمي تقديراً لمشاركة دولة الإمارات للسنة الثانية على التوالي في الموسم في دورته الـ11. وتفاعل الجمهور مع عروض الفرقة التي قدمت رقصات وأهازيج من التراث الشعبي الإماراتي، وأمتعت الحضور بحركاتها المتقنة. ويُشارك الاتحاد النسائي العام بفاعلية ضمن الفعاليات، إذ قالت المشرفة على الخيمة الإماراتية للحرف اليدوية، بما فيها من كنوز تراثية، وضابط تسويق بإدارة الصناعات بالاتحاد النسائي العام، سميرة العامري، إنه في إطار دعم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، بهدف تحسين ورفع المستوى الاقتصادي للأسرة الإماراتية، وحرص سموها على تمسك المرأة الإماراتية بعاداتها وتقاليدها، فإنّ جناح الاتحاد النسائي يتيح الفرصة للتعرف إلى جانب مهم من العادات والتقاليد التراثية الإماراتية، والصناعات الحرفية التراثية المتنوعة، أو الحرف الشعبية، لأنها تمثل جانباً تراثياً مهماً من الثقافة الإماراتية، ونظراً لأهمية هذه الحرف التراثية كان لابدّ من المشاركات، وتوفير الإمكانات التراثية للحفاظ عليها من الاندثار، والعمل على تنميتها، وإيجاد أجيال جديدة تجيد التعامل معها على أسس علمية تعتمد على دراسات متخصصة، لأنها في النهاية ثروة اقتصادية وإرث حضاري يجب عدم التفريط فيه، لهذا جاءت مشاركة الاتحاد النسائي في طانطان تحديداً لتعزيز الجانب التراثي الإماراتي، وتأكيداً على أن أهل الإمارات يعيشون حياة عصرية ممزوجة بنكهة الأصالة الخالصة، من خلال ارتباطهم بالتقاليد والعادات المتوارثة جيلاً بعد جيل، والوقوف في وجه التحديات التي أثرت في سلوك وعادات كثير من شعوب العالم دون استثناء. وحول الحرف التي تستعرضها الحرفيات في المشاركة الإماراتية هذا العام في طانطان، ذكرت السف والتلي ونقش الحناء وقرض البراقع، والميزع، وجميع هذه الحرف هي حرفة يدوية، احترفها الآباء والأجداد، وصنعوا منها الكثير من الأدوات المنزلية التي يستخدمونها في حياتهم اليومية، فشكلت إبداعاتهم خيوط ذهب وإبداع لهم. كما نقدم عرضاً مُصغراً لـزهبة العروس في صندوق المندوس، لننقل صورة حية عن الماضي. مريم بديو السعدي، إحدى الحرفيات الماهرات، كانت تحرك أصابعها بطريقة سريعة مميزة، تحدثت عن السف، حيث قالت: أحب حرفتي هذه كثيراً، وأشعر بسعادة كبيرة عندما أتحدث عنها وأشرحها لجيلنا الحالي، فهي سهلة وممتعة، حيث يؤخذ الخوص الأبيض من وسط النخلة، ثم نتركه لمدة ثلاث ساعات في الماء، حتى يصبح طرياً لكي يسهل سفه، ثم يجفف قليلاً في الشمس، وبعد ذلك يوضع في قدر ماء ويرفع على النار حتى يغلي، ونكون قد مزجنا معه الأصباغ المرغوبة، لكن بالطبع كل على حدة، فلو رغبت في اللون الأحمر أضع الأحمر فقط، وهكذا. وقالت مريم الكعبي التي مارست الحياكة منذ أن كانت في الخامسة من عمرها: (التلي) هو شريط مطرز منسوج من خيوط قطنية ممزوجة مع الشرائط الذهبية أو الفضية، التي تمتاز باللمعان، ويستخدم (التلي) غالباً في تزيين أكمام وياقات الأثواب والسراويل النسائية، وتستخدم المرأة في نسجه (الكاجوجة)، وهي وسادة مستندة على قاعدة معدنية على شكل قمعين ملتصقين من الرأس، وغالباً ما تستغرق صناعة التلي بين شهرين وستة أشهر، مشيرة إلى أن الأدوات اللازمة لعمل التلي ليست كثيرة، لكن العملية شبه معقدة، خصوصاً بالنسبة للمبتدئات في ممارستها، إذ تتطلب تجهيز (الكاجوجة) أو البكرة التي تلف عليها الخيوط المستخدمة في التلي، ويتم صفها حسب نوع البادلة أو التلي المراد صناعته، إضافة إلى إبر لتثبيت التلي. فاطمة الظاهري كانت تجلس على إحدى الأرائك المتناثرة في الخيمة، تدندن بتلك الأغاني التراثية الجميلة، وتنقش زخارف الحناء على يد إحدى الزائرات، وهي خبيرة في نقش الحناء، حدثتني فقالت: تعودت على نقش الحناء في كل مناسبة، حيث أقوم بتحضير خلطة بشكل يدوي من نبتة الحنّاء التي تؤخذ من مسحوق الأوراق والزهور، إضافة إلى الجذور، وهي صحية جداً للبشرة، وآمنة، وتمنحها ملمساً ناعماً، فلا تُخلط بأية مواد صناعية أو أصباغ كيماوية قد تتسبب في حساسية أو أية أضرار جلدية أخرى. وبينما كانت تحتسي القهوة العربية، وتعمل على تلك الآلة المميزة، أوضحت كليثم المنصوري، من دون تردد، أن: ما أقوم به يدعى (ميزع)، والميزع خيوط تمتاز بألوانها الخلابة والجذابة، وتطرز لتتزين بارتدائها الفتيات، حيث كنا في الماضي نرتديه بطريقة مختلفة قليلاً، أما اليوم فقد بات يطرز بطريقة أحدث من السابق، وحرفة الميزع من أهم الحرف اليدوية التي لا نستغني عنها في تراثنا الإماراتي.