لجدتي مقولة في التعامل مع الناس وهي (هونها تهون، كبرها تكبر) وهي تأخذ بفكرة ان معالجة الأمور بحيث يبدو الحدث بسيطا لا يحتمل الصراعات والقال والقيل، فتبرد الأمور ببساطة ويذهب الحدث كأنه لم يحدث، فإذا قيل لها مثلا ان فلانة انتقدتك بالمجالس وتقول عنك بخيلة او لم تلاقيها جيدا في المكان الفلاني، لا تغضب تبتسم وتدع الامر يمر ببساطة فإذا ما التقتها يوما ما دعتها لبيتها واكرمتها وأحسنت لها القول والفعل، فتمضي تلك السيدة تمدح بها وكأنها ما قالت الذي قالته ذات يوم لها ايضا تعبير جيد وهو (ليس عدوك من حكى بك، لكن من أوصل لك) ولعلها استمدته من حديث لحكيم كبير يقول عن شخص أوصل وشاية له (إن الرجل اخرج خنجره اما انت فقد طعنتني به) (ان مبدأ هونها تهون) ممكن ان يعمل به في الحياة العامة وحياة الشعوب، بحيث لا تؤخذ ولا تعطى الأمور اكبر من حجمها على حساب العمل والتنمية والبحث، وبالتالي تكبر وتتفرع، وسبق ان عملت بهذا المبدأ كثيرا، فتتغير نظرة الناس لي، ويكونون احبابا لا شامتين او على اولى درجات سلم العداوة. الناس عادة يحبونك لاشياء ويكرهونك لأخرى، فهم يحبون الود فيك والحنان والعطف، ويحبون فيك عدم التكبر، يكرهون التكبر وحب الذات ويكرهون المفاخرة بنجاحاتك او أقاربك، يكرهون ان تشعرهم بدونيتهم جاها او علما، لذا لابد من الحذر من ذلك، وهذا نفسه ممكن ان يتم ما بين الدول والشعوب، (هونها.. تهون، كبرها.. تكبر) تعتمد بالدرجة الاولى على الشخص ذاته واستعداده النفسي وكيفية وصول المعلومة (الوشاية) له، اولا مقدار حلمه وسعة صدره، وثانيا الظرف الذي وصلت به الوشاية والموصل، كل ذلك وغيره هو ما يعتمد عليه في الفعل وردة الفعل، ولكن يبقى الحليم يعرف كيف يتخذ من الموقف موقفا جميلا او يعكسه لتكون العداوة. كثيرا ما يكون الحليم العربي (معن بن زائدة) قدوة لنا في صبره وحلمه على الاعرابي الذي دخل عليه متعمدا إغاظته، فلم يستطع ذلك ولنقرأ الحكاية دخل اعرابي على الامير (معن بن زائدة) وبادره : أتذكر اذ لحافك جلد شاة وإذ نعلاك من جلد البعير قال اذكر ذلك ولا أنساه : فسبحان الذي أعطاك ملكاً وعلمك الجلوس على السرير رد معن: سبحانه وتعالى قال الاعرابي: سأرحل عن ديار انت فيها ولو جار الزمان على الفقير يرد معن: ان بقيت فاهلا وسهلا بك، وان رحلت فمصحوب بالسلامة فيرد الاعرابي: فجد لي يا ابن ناقصة بمال فإني قد عزمت على الرحيل فيقول معن: أعطه يا غلام ألفي درهم وحمله ببعير وزاد طريق، وهنا يخر الاعرابي بين يديه ويعترف انه عجز عن اثارته وانه على رهن مع آخرين، هكذا السماحة وتوخي الصبر سيكون مفتاحا مهما للقلوب القاسية. عندما نطالب ونصر على البذل والتسامح فهذا يعني ان كلا منهما يسد ثغرة ما لَوْ فتحناها لما تمكنا من اغلاقها، وكبرت كالحفرة التي كل يوم نأخذ منها ترابا فلا تلبث ان تبلعنا، فعلى رأي جدتي (هونها بتهون، كبرها بتكبر) اخيراً لا جدتي ولا جدة الآخرين، كتاب الله الكريم قال (ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة، كأنه ولي حميم).