تختلف المسميات والأوجه .. وحتى الشعارات المزيفة إلا أن الكذب واحد والتدليس واحد، فالقتل وتخويف الآمنين وجهان لشر واحد يسببه الإرهاب بمختلف أشكاله وأصنافه، هذا الإرهاب الذي تشكل مع مرور السنين على هيئة أفعى سامة تنفث شرها في مختلف أرجاء البلاد ضاربة بعرض الحائط كل القيم الإنسانية وحتى الشرائع السماوية لم يفرق يوما بين جنس أو جنسية أو مكان مقدس فمنذ البدايات كان واضحا أنه يهدف إلى التدمير والتدمير فقط راميا على الأرض التي لطخها بدماء أبناء شعبه كافة خطط التطوير والتنمية التي يحلم بها وطنه ، مغلقا بقوة كل أبواب ومجالات الحوار جاعلا الصوت الأعلى في حديثه صوت البنادق والقنابل و"الكلاشنكوف"، هذه الأصوات التي سلمت عقولها وأجسادها طواعية لمجموعة قررت أن تعيش داخل قوقعتها فقط . حرب الوطن ضد الإرهاب انطلقت مبكرا فما زالت ذاكرة الوطن تسترجع الاعتداء الآثم على الحرم المكي الشريف عام 1979م، وكيف شكل هذا الحدث صدمة لمجتمع مسالم في غالبه، منذ ذلك التاريخ بدأت الأفعى في ابتلاع مقدرات الوطن وسلب الأرض أغلى ما تملك وهو المستقبل المتمثل في شبابه وشاباته وحولتهم إلى قنابل موقوته يستهدفون ارضهم وعوائلهم . مسلسل الارهاب الدامي عاد مجددا ليطل بوجهه القبيح في 18 مارس 2003 عندما انفجرت في منزل بحي الجزيرة شرق الرياض عبوة ناسفة أعدها فهد الصاعدي لتبدأ بعدها حملة من الأعمال الإرهابية طالت مختلف مناطق المملكة. وبين العامين 2003 و2006 تعرضت السعودية لموجة من الهجمات الدامية شنها مايسمى بتنظيم القاعدة استهدفت مقرات أمنية ومنشآت حكومية وأماكن سكن خاصة بالأجانب أوقعت العديد من القتلى الآمنين . هذه الأعمال الجبانة بلغت حتى عام 2011 بحسب بعض التقارير حوالي 98 عملية إرهابية راح ضحيتها أكثر من 90 شخصا من المدنيين إضافة إلى إصابة نحو 608 آخرين فيما تكبدت الأجهزة الأمنية خسائر بشرية بين منسوبيها بلغت حوالي (65) وإصابة نحو (390) . هذه الفئة واصلت خلال ما يقارب ال36 عاما عمليات تخويف وتفجير وتكفير وتخوين حتى حولت خارطة المملكة مكانا لعملياتها استهدفت خلالها الكبير والصغير و الشاب والشابة، شظايا تفجيراتهم وآشلاء انتحاريهم توزعت شمالا وجنوبا وإرهابهم ضرب شرقا وغربا . ففي الرياض ما زال المواطن يتذكر انفجار الارض المخصصة لمواقف السيارات وبجانبها بعض العمائر السكنية في شارع الثلاثين بالعليا والمبنى المستهدف هو مكتب تطوير وتدريب الحرس الوطني السعودي، وفي الخبر انفجرت سيارة ملغومة أمام مبنى تابع لوزارة الدفاع والطيران السعودية يسكنه أجانب أودى بحياة 19جميعهم من الجنسية الأمريكية بينما بلغ عدد الجرحى 386جريحاً، كما استهدف انفجار آخر الخبر حين تم تفجير محل تجاري لبيع الساعات والكماليات أسفر عن وفاة شخصين وإصابة أربعة بجروح. اثنان منهم فلبينيان وواحد بريطاني وواحد امريكي، ارض الشرقية كانت شاهدة على عملية أخرى حين قام أربعة من المنتمين للفئة الضالة من ذوي السوابق الإجرامية بإطلاق النار على حراس أمن احدى الشركات ثم خرجوا من المقر وهم يطلقون النار فأصابوا عدداً من السيارات احداها تحمل أربعة أطفال متجهين إلى مدارسهم احترقت وفيها أحدهم. جرثومة خبيثة أخذت على عاتقها هدم المستقبل المنطقة الغربية لم تسلم من هذه الأيادي العابثة فالقنصلية الأمريكية كانت هدفا لهم ولاعتدائهم الأمر الذي أوقع خمسة ،أما القصيم فهي الأخرى ذاقت ويلات هؤلاء فقد قامت الأجهزة الأمنية بمداهمة عدد من المطلوبين في إحدى المزارع الواقعة في منطقة المليداء الشمالية التابعة لمحافظة عيون الجواء حيث خرج المطلوبون من المزرعة وهم يطلقون النار بكثافة في محاولة للاختباء بين المزارع المنتشرة وتم تبادل إطلاق النار معهم وتعطيل سيارتهم حيث قام هؤلاء المطلوبون بالاعتداء على أحد المواطنين وسلب سيارته والفرار بها. وبالعودة للرياض نفذت هذه الجماعات 3انفجارات في "مجمع الحمراء" جنوب طريق الدمام السريع، وفي "مجمع اشبيليا" شرق الرياض، و"مجمع فينيل" بلغ عدد القتلى "34" منهم سبعة سعوديين وأردنيان وثلاثة فلبينيين ولبناني واحد وسويسري واحد وايرلندي واحد وسبعة أمريكيين وأسترالي واحد وآخر مجهول الهوية، هذا بالإضافة إلى تفجير المحيا الشهير. ترويع الآمنين هو ديدن هؤلاء فمقتل البريطاني روبرت دنث إثر إطلاق النار عليه أثناء توقفه بسيارته عند إحدى الإشارات المرورية بشارع خالد بن الوليد بحي غرناطة شرق العاصمة الرياض أكبر دليل، وليس ببعيد عن تلك الجريمة حادثة مقتل أحد الأمريكين متأثرا بجروحه خلال إطلاق نار . كل تلك الأفعال عرت هذه الفئة وكشفت امام الملأ مخططاتهم القذرة لتفكيك الوحدة الوطنية والأمن والامان الذي منّ الله به على هذه البلاد الطاهرة، تلك الأصوات النشاز تعالت للدفاع عن هذه الفئة لم تجد مجالا للدفاع عنها بعد أن شهد الجميع ما تكنه صدورهم من غل وحقد وكراهية قادرة على تزييف الحقائق واللعب بالعقول وخصوصا الناشئة منها . أوراق التوت تساقطت عن خفايا هذه الفئة خصوصا تلك الأصوات التي تعشق الصيد في الماء العكر وتحاول الرقص عل جماجم شهداء الوطن حاولت هذه الأصوات النشاز أن تصور أن الإرهاب موجه وأنه يستهدف فئات معينة من الشعب ومناطق محدودة ناسية أو متناسية أن الوطن والجرح والدم واحد، وأن كل من عاش أو تعايش على هذه البلاد هم شركاء في المواطنة أشقاء في الوطن، حاولت هذه الجماعة أن تسقط من الحسابات ومن عقول العقلاء أن قتلة الجندي ماجد عائض الغامدي هم أنفسهم المشاركون في جريمة " القديح" الأمر الذي لا يدع مجالا للشك أو التأول بأن هذه الفئة تستهدف الوطن والمواطن سعيا لإشاعة الفوضى . هذه الأعمال الجبانة واجهتها القيادة باستراتيجية أمنية ترتكز على مبدأ الحسم الأمني والإجهاض المبكر لتحركات الإرهابيين، عبر أجهزة أمنية متطورة تعتمد على قواعد بيانات ومعلومات قوية وتطوير الموارد البشرية العسكرية. فقد قامت المملكة ممثلة في وزارة الداخلية بدور مؤثر وفعّال في التصدي لظاهرة الإرهاب على الصعيدين المحلي والدولي فقد استخدمت ثلاثة أساليب للمواجهة، المواجهة الوقائية ثم المواجهة القانونية وأخيرا المواجهة الأمنية. في المواجهة الوقائية تم إنشاء لجنة تسمى (لجنة المناصحة) تخضع لإشراف وزارة الداخلية وذلك بهدف محاربة الفكر بالفكر، وكشف الشبهات التي لدى الفئات الضالة وتفنيدها، وتصحيح المفاهيم التي يؤمن بها هؤلاء، وذلك بالاستعانة برموز المجتمع من العلماء للتعامل مع المتورطين في القضايا الإرهابية، وإعادة دمجهم في المجتمع كي يصبحوا مواطنين صالحين مرة أخرى، ويتم ذلك، بشكل أساسي، من خلال تنفيذ برامج لإعادة تأهيل السجناء يطلق عليه (برنامج الرعاية) يطبق على الذين أوشكت فترة محكوميتهم على الانتهاء، يتم من خلاله تكثيف التوجيه الهادف للموقوف والتأكد من سلامة منهجه الفكري واستقرار نفسيته واستعداده للاندماج في المجتمع. هذا بالإضافة إلى تثقيف المجتمع أمنيا وفكريا تجاه ظاهرة الإرهاب وخطورتها، لذلك عمدت المملكة إلى تقديم برامج توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة من خلال سياسة إعلامية مبنية على الشفافية، وإنشاء إدارة عامة تعنى بالأمن الفكري تهدف إلى معالجة ومكافحة الانحرافات الفكرية التي تقود إلى الغلو والتطرف والإرهاب. أما في المجال القانوني أو التشريعي فقد قامت المملكة بتطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإرهابية، كما تم وضع قيود مشددة على صناعة أو استيراد أو بيع أو حيازة أو تداول أو اقتناء الأسلحة أو الذخائر أو المعدات أو قطع الغيار وفقا لنظام الأسلحة والذخائر في المملكة العربية السعودية الصادر عام 1981م وتم تحديث النظام في 2005م، هذا بالإضافة إلى فرض قيود مشددة على المواد الكيميائية التي تدخل في تركيب المواد المتفجرة، وعدم السماح باستيرادها إلا بعد دراسة الطلب من قبل المختصين الكيميائيين والأمنيين لمعرفة مدى الحاجة لها، وتطبيق نظام المتفجرات والمفرقعات على المخالفين له. أما في المجال الأمني فإن الأجهزة الأمنية تعد بمثابة خط الدفاع الرئيسي ضد مخاطر الإرهاب التي توجه ضد أمن واستقرار المجتمع السعودي، ومن هذا المنطلق فقد تم إعداد استراتيجية شاملة لمواجهة تلك الظاهرة بكافة محاورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والإعلامية. وبما أن المشاركة الجماهيرية في مكافحة الإرهاب تبرز في هذا المجال كمحور للاستراتيجية الشاملة، فقد تم حث المجتمع على التعاون مع رجال الأمن لمتابعة قيادات وعناصر وأماكن الفئات الضالة، والتأكيد على أهمية التعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية والمسؤولية المتبادلة في تطبيق مفهوم أن الأمن مسؤولية الجميع، بالإضافة إلى توطيد وتعزيز العلاقة بين أجهزة الأمن والمواطن والمقيم، والارتقاء بمعنويات رجال الأمن في خدمة الوطن والثقة بالانتماء إلى مجتمع يقدر جهود الأجهزة الأمنية ويؤازر رجال الأمن في تحقيق الأمان لهذا المجتمع والحفاظ على مقوماته. وتأسيسا على ما تقدم فإن المواجهة الأمنية للإرهاب نجحت نجاحا باهرا في التصدي الفعال لظاهرة الإرهاب .