×
محافظة المنطقة الشرقية

المملكة الأعلى في إنتاج التمور بمليون طن سنويا

صورة الخبر

لم نفاجأ بنيل الكاتبة الإيرانية سعيدة باكرفان جائزة «La Closerie des Lilas» الأدبية العريقة عن روايتها «آذادي» (حرية)، التي صدرت حديثاً لدى دار «بلفون» الباريسية، ففي هذا العمل الضخم (460 صفحة)، الذي كتبتــه مباشرةً باللغة الفرنسية، تنــجــح باكــرفــان في خطّ بورتـــريه واقعي ودقيق لوطنها من خلال سردها قصص بعض أبنائه. أحداث الرواية تقع في العاصمة الإيرانية عام 2009، أما شخصيتها الرئيسة فشابة تدعى رحا وتدرس الهندسة في جامعة طهران. ومثل معظم أبناء جيلها، يتملّكها، مع اقتراب موعد الانتخـابات الرئاسية، أملٌ بتغيير يقود إلى نهاية حُكم أحمدي نجاد. لكن مع إعلان نتائج هذه الانتخابات، يحلّ الغضب مكان الأمل، فتنزل رحا مع رفاقها إلى الشارع للتظاهُر والتعبير عن غضبهم. ومع أنها ستتعرّض للضرب على يد رجال الشرطة، إلا أنها تتابع نضالها فتُعتقَل وتُرمى في السجن حيث تختبر التعذيب والاغتصاب على يد سجّانيها، قبل أن يُخلى سبيلها، فتعود إلى منزلها محطّمةً جسدياً ومعنوياً. ولإعادة تشييد نفسها، تقرر ملاحقة سجّانيها أمام القضاء... شخصيات جانبية قوة هذه الرواية تكمن أولاً في عدم اكتفاء باكرفان فيها بقصة رحا، بالتالي في منحها الكلام لشخصيات جانبية كثيرة، ما يؤمّن وجهات نظر مختلفة، وأحياناً متضاربة، ضرورية لفهم الواقع الإيراني المعقّد. فبينما تــرمز رحا إلى الشباب الإيراني الذي يحلم بوطنٍ متحضِّر ومحرّر مـــن قبضة النظام الحالي، ويخجل مــن الصورة السلبية التي يعطيها هذا النظام لبلده في الخارج، نتعرّف حولها إلى شخصيات عدة، مثل عمّها أو صديقتها التي هاجرت إلى أميركا وتعود فـي زيارة إلى بلدها؛ شخصيتين مـوضوعيتين تملك كلّ منهما رؤية مخـتلفة، تارةً حنينية لما كانت عليه إيران خلال حُكم الشاه، وتارةً مفتونة بهذا البلد متعدد الوجوه الذي تهدر داخله طاقة كبيرة. هنالك أيضاً خطيب رحا، كيان، الذي يرفع لواء الثورة حين يتوافق الأمر مع مصالحه فقط، وحسين القادم إلى طهران من الريف للانخراط في صفوف الشرطة، والذي سيُنقذ رحا مرتين؛ شاب يهتم بأخيه المُعاق بسبب إصابته خلال الحرب ضد العراق، ويرمز إلى تلك الفئة من الإيرانيين التي لا تناصر بالضرورة النــظام، لكــنــها تخضع للخطاب الذي يروّج له، فتبدو مقتنعة بأن الغرب يتآمر يومياً لتدمير إيران. ومع ذلك، يظهر حسين بعيداً كــل البعـــد عــن الشاب المتعصّب الظلامــــي، بصيراً وإنسانياً بعمق. أصوات متعددة إذاً، تسمح مجتمعةً بفهم الطبيعة الملتبسة لنظام يعــمل عــلى التحـكّم بـحـيــاة الناس بطريقة خبيثة فيترك هامشاً من الحرية للإيرانيين، ما أن يستفيدوا منه وينكشف أمرهم حتى يتم التنكيل بهم. وأحياناً يتم توقيفهم لمخالفتهم قوانين يجهلون حتى وجودها. نظام جائر وبـــالـــتــالي، «آذادي» هي سردية نضال شعبٍ ضد نظامٍ سياسي جائر، نضال تجسّده امرأة مصممة على انتزاع حقّها ومحاكمة مغتصبيها، ومن خلال ذلك مواجهة ألمها، والأحكام السلبية ضدها، وأصدقائها الذي سيتخلّون عنها، والتهديدات والشتائم والمضايقات التي ستتعرّض لها. مواجهة يتجلى عبرها انقسامٌ عميق داخل بلدها، بين أولئك الذين سيدعمونها ويرون فيها بطلة تجرّأت على تحدّي نظامٍ مرعِب، وأولئك الذين سيرون فيها عدواً من الداخل يساهم في «المؤامرة» الغربية على إيران. ثمة ملاحظة سلبية واحدة نسجّلها على هذه الرواية وتتعلّق بتـأكيـد باكرفان فيها أن حركة الثورة على النظام عام 2009 تشكّلت من جميع فئات المجتمع ولم تكن محصورة بالفئات المتيسّرة، لكن حين تستحضر المشاركين فيـــها، نرى أنهم دائماً من الطلاب المنتمـــين إلى الطبقة الوسطى أو الثــرية، أو من الأساتــذة والأطباء، بينما تختار، لتمثيــل النظام، شخصيــات تنتمي إلـى الطبقـة الفـــقيرة. فهل إيران مقسومة فعلاً، وبطـريقة مانيّة، بين محيــطٍ فقير مناصِر للنظام، مــن جهة، ومحيط متيسّر معادي للنظــام، من جهة أخرى؟ وفي هـــذه الحال، ماذا عن كوادر النظام القـــادمين بمعظمهم من المحيط المتـيسّر، والذين يستخدمون غالــباً مواقعهـــم ونفــوذهم لانتهاك القـــوانين التي من المفترض أن يسهروا على تطبيقها؟ مهما يكن، تبقى رواية سعيدة باكرفان شهادة مهمة على العنف الذي يتعامل به النظام الإيراني مع معارضيه، وعملاً يؤمّن صورة بانورامية للوضع السياسي ـ الاجتماعي في إيران اليوم، بكامل تعقيداته وتناقضاته، من خلال حبكة مشغولة بمهارة ولغة بسيطة وواضحة، مجرّدة من التنميق والمحسّنات الإنشائية، تتّسم أحياناً بالحيادية. خيار صائب في نظرنا كون الطابع المأسوي لقصة رحا يكفي لهزّ القارئ، وينفي بالتالي الحاجة إلى مناورات أسلوبية.