ظلت "الوحدة" التي أسسها الملك عبد العزيز طيب الله ثراه لهذا الوطن الشامخ عصية على كل حاقد ومعتد على مر الأزمان متجاوزة وبنجاح كافة التحديات التي مرت عليها على مدى عقود لأن الأسس التي قامت عليها قوية وراسخة تستمد قوتها من ثوابت الدين ومن قيم الوطن، إذ إن المؤسس عندما أسس لهذه الوحدة لم يضعها لمرحلة تاريخية تطوى بعد وفاته، إنما أراد لها أن تبقى وتدوم أمام كافة التحديات، وكأنما كان رحمه الله يستشرف مستقبل هذا الوطن الأبيّ والمراحل التي سيمر بها من بعده، لذا فستبقى هذه "الوحدة" الاستثنائية هي مانراهن عليه وهي الأساس التي قد نختلف فيما دونها لكننا حينما تمس يكون الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه صفا واحدا لايتزعزع ولافرق فيه بين كبير وصغير وبين قبيلة وأخرى ولابين أي من مكوناته المتناغمة والمتآلفة، لأن الوطن لا يمكن أن ينزف طرف منه من دون أن تتأثر بقية أطرافه، ولأن الأساس هو الوطن ووحدته وشعبه الذي لانقبل المساومة عليه بأي شكل، وبدون هذا الوطن الشامخ الذي يحتضن أطهر بقاع الأرض ويتسع صدره لكافة اختلافاتنا تحت مظلته وفي إطار النسيج الواحد نحن لاشيء، وستظل"وحدتنا الوطنية" ركيزة من ركائز مقومات هذا الوطن ومسلمة من مسلمات تطوره وتقدمه ودليلاً قاطعاً على تلاحم هذا الشعب مع قيادته من تاريخ آبائنا وأجدادنا إلى وقتنا الحاضر. ولم يكن جديدا ولامفاجئا عندما حاول تنظيم "داعش" الإرهابي وغيره من تنظيمات إرهابية اختراق الوطن عبر بوابة الطائفية، لتأجيج الصراع الطائفي في المملكة، فهذا مابقي له من خيارات بعد أن ظل الوطن عصيا على كافة مساعيه المسمومة ومحاولاته الفاشلة، وسبق أن أعلنت وزارة الداخلية قبل أشهر إحباطها لمخطط إرهابي يسعى لمثل هذا النوع من العمليات الإرهابية لتأجيج الطائفية داخل الوطن، فتارة بالإرهاب وتارة باستهداف الوطن بالمخدرات وغيرها من مخططات ذهبت وخابت وخاب من خطط لها وبقي الوطن شامخا قويا أكثر مما قبل لأن "وعي" المواطن هو الأساس الذي يراهن عليه وإدراكه لماخلف هذه المخططات يكفي للتصدي لها وعدم الانجرار لمايسعى إليه من يقف خلفها، لأن الحفاظ على "الوحدة الوطنية"، ومقت الطائفية ليس خيارا، وإنما واجب وطني على الجميع، ففي رحاب الشريعة الإسلامية تنتفي التعصبات العِرقية، والنَّعرات الطائفية، وتبقى الوحدة التي تصنع مجد الأوطان، حيث كانت المملكة قبل وحدتها تعيش على هامش التاريخ، ثم انتقلت من حالة العزلة والتهميش إلى الحضور على الأصعدة العالمية، وانصهرت فيها كل "العنصريات والقبليات والمذاهب" وأصبح الجميع في سفينة واحدة، فإما أن يغرق الجميع، وإما أن ننجو جميعا ولا خيار لنا غير ذلك. رماح العدو المسمومة تتكسّر أمام «وعي» الشعب: لامكان للطائفية والإرهاب واليوم.. يبقى الدور الكبير على الجيل الجديد من هذا الشعب الوفي والواعي والمخلص الذي ينعم بهذه "الوحدة" ويتفيأ ظلالها ورغدها دون عناء ويتنفسها كل صباح، في محيط تتلاطم فيه أمواج الفوضى والصراعات، يبقى الدور عليه في إدراك أن "الوحدة" التي صنعها الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصون لم تكن سهلة إطلاقا ولم يكن لها أن تتحقق لولا توفيق الله ثم إرادة الرجال الذين ضحوا بأنفسهم لصنعها لننعم بها جيلا بعد جيل.. لذا فالواجب الديني والوطني يحتم علينا جميعا صيانتها والحفاظ عليها والتصدي لكل محاولات المساس بها، لأن حماية البناء الداخلي ممن يحاولون هدمه أو اعاقته واجب على كل فرد وليست من مهام رجال الأمن فقط بل كل مواطن هو رجل أمن ومسؤول عن الحفاظ على الجبهة الداخلية من كل مخترق لها، كما أن من مقومات الوحدة الوطنية نشر المحبة والألفة والتسامح والترابط والتكاتف بين أبناء الوطن، ونبذ العنف والشقاق والخلاف، لأن هذا جزء مهم من قيمنا الوطنية. وبالعودة للعملية الانتحارية التي خلفت العديد من الضحايا مابين قتيل ومصاب في "القديح" وماقبلها بأشهر في "الدالوة" نجد أن هاتين العمليتين قد منحتا المجتمع فرصة جديدة لإختبار قدراته ومواقفه الوطنية المشرفة تجاه التحديات التي تمس حياته وتمس وحدته، حيث أظهرت المشاعر الوطنية تجاه الحادثة مدى أهمية الرسالة الإعلامية في التعبير عن الموقف، بلا مزايدات، أو تبادل اتهامات، أو لوم أو تقصير، حيث لم يكن "السني" أفضل حالاً من "الشيعي" أو العكس، بل كان الجميع واعياً بقيمة الوحدة الوطنية التي تستلزم نبذ التعصب، والكراهية، وخطاب الإقصاء بين أبناء المجتمع الواحد. لذا فالواجب علينا تجاه هذه المخاطر هو إدراك أن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعار يردد وإنما ضرورة تفرض نفسها على كل مواطن واعٍ، خاصة بعد ما رأينا ما أصاب شعوباً مختلفة، من التمزق والتناحر والفوضى، وهذه الضرورة لا تؤديها جهة بمفردها، فلا الدولة بمفردها قادرة، ولا المواطنون وحدهم قادرون، ولا حتى العلماء والنخب فالجميع شركاء في تحمل مسؤولية حماية هذه الوحدة، وكل في موقعه يجب أن يؤدي هذا الدور، كما يجب ترسيخ ما هو بيننا من قيم مشتركة، بدلاً من التركيز على ثقافة الإقصاء على أساس الحق الذي يتمسك به كل طرف، وهذا ماتجسد في ردة فعل المجتمع سواء جهات رسمية او شعبية على العملية الانتحارية التي شهدتها "القديح"، إذ رسم الجميع لوحة رائعة لعمق التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، وألقى ذلك بتأثيره على شبكات التواصل الاجتماعي بردود فعل واعية احبطت المخطط ، وعادت لحمتنا بعدها أكثر قوة ومناعة ضد كل مايحيط بها من مؤثرات ومايحاك لها من مخططات.