«سي - آي - إيه» «كي - جي - بي» «أم - آي - فايف وسكس» ثم الموساد وغيرها من أجهزة الاستخبارات العالمية، إنها رمز للرعب حيث الجاسوسية تبنى على التجرد من الأخلاق، حتى أن تجنيد جاسوس زرعته دولة ما ينقلب عليها كجاسوس مزدوج كما حدث مع «كيم فلبي» الذي وصل إلى مراكز متقدمة في العمليات السرية البريطانية والذي كان يعمل للسوفييت سجل أكبر خسارة لأقدم جهاز استخبارات علمي بريطاني، ومثله الكثير، وفي حين سمي بطلاً عند السوفييت وضع على لائحة الخونة في بلده الأم.. عالم الجاسوسية اختلط فيه الواقع بالخيال حتى أن الأقلام والنظارات والأحذية والساعات، وقبلها الحمام الزاجل وذاكرة الإنسان جندت كقوى خفية في خدمة الدول والمؤسسات، وكل ما يخدم الطرف المتفوق بهذا النشاط الذي يوضع على قائمة الحماية الوطنية، ودرء الأعداء، وهزيمة الجيوش، لكن مع التطور المتسارع صارت الأقمار الصناعية والغواصات والطائرات التي تحلق لساعات طويلة حول الكرة الأرضية، وأجهزة التصوير والرصد التي تحملها حولت الحروب الجديدة إلى ظاهرة غير مسبوقة في التواريخ البشرية كلها.. هل أصبح الإنسان عارياً تخترق جسمه آلات تصل بدقتها وحساسيتها إلى كل ما يحمله، وهل لم تعد الحيطان السميكة خارج الحماية والاختراق، وأن كل جهاز تحمله بجيبك من مفاتيح السيارة إلى الهاتف، واحتياجات الشخصية عيون تراقبك وتسجل ما تكتب وما تقول، وماذا لو وصل العلم الحديث إلى ما تفكر به ليتم غسل دماغك عن بعد أو تفجيره إذا كنت عبقرية يخشاها طرف مضاد لك ودولتك، وهل نصل في النهاية إلى رعب الأفلام الخيالية كواقع حقيقي يجعلنا مجرد أغنام مع الراعي التكنولوجي المهيمن على سلطة التحري والرصد وجمع المعلومات وأننا مجرد سجناء في علبة تديرها عقول خارجية في حرب ليس لنا بها جندي أو قائد؟.. الشهور الماضية كشفت الأساليب عندما هرب «سنودن» ومعه أعظم كنز للمعلومات فضح به أساليب أمريكا والمتعاونين معها وقبله «ويكيليكس» وربما يلحقهما جنود الظلام السريون، إما بذريعته إنقاذ الإنسان من اختراق خصوصيته كموقف أخلاقي، أو العمل لجهة مضادة، ثم ماذا عن الدول ذات الجذور التاريخية في هذه المهنة والتي طورت أعمالها إلى ما يفوق الخيال، وهل تعتبر حروب الجواسيس في بدايات القرن الماضي بدائية أمام عصر التكنولوجيا المتقدم والعقول التي تشترى بالملايين وتسخر بفوائد تفوق ما يصرف عليها؟.. العقل البشري هو المضخة الهائلة لمضاعفات المعرفة، والقفز بالإنسان إلى «السوبر مان» ولذلك يأتي السباق على احتواء هذه العقول حرباً كبرى حيث لا ندري كيف ستدفع أعمال الجاسوسية العالم إلى أي اتجاه، وخاصة إذا دخلت دول تملك هذه العقول وأدواتها ومراكز بحثها وتطورها، لكن ماذا عنا نحن العرب؟ هل نبقى في قفص الطيور المهاجرة نقتات على غيرنا ونتحول إلى مجرد فئران أنابيب الاختبار للدول المتقدمة؟.. ذلك هو المأزق الذي لا حل له..