ما يثيرني كثيراً من أصحاب الرأي المحافظ أنهم يرون أن التحرش جريمة يرتكبها الطرفان (المرأة والرجل) ويذهب غلاتهم إلى أن المرأة هي أصل التحرش وسببه ومن يستحق العقاب. في المدن الأخرى التي يؤمها سعوديون بكثرة كبيروت ولندن والقاهرة ودبي نلاحظ أن الشبان السعوديين يطاردون الفتيات اللاتي يرتدين ملابس سعودية( عباءة تحديدا) ويتركون (المتبرجات!؟) غير السعوديات اللاتي يكشفن عن اشد أنواع العرى المتاحة. يتركون امرأة مرتدية شورتاً يكاد لا يستر من عورتها المغلظة شيئاً ويلتفتون إلى امرأة أخرى ليس لها ميزة سوى أنها تلف العباءة السوداء على كامل جسدها وتغطي (ربما) النصف السفلي من وجهها, حتى أننا بدأنا نلاحظ أن بعض النساء من جنسيات عربية أخرى صرن يرتدين العباءة ويظهرن بمظهر السعوديات في حال أردن لفت نظر الرجل السعودي واستدراجه. إذا حصلنا على تفسير لهذه الظاهرة فسيساعدنا هذا على فهم طبيعة التحرش في المملكة. بإيحاء من هذه النقطة سأطرح سؤالا أراه في غاية الأهمية: ما هو التبرج؟ سؤال لم اسمع أن أحدا طرحه من قبل. نتحدث دائما وكأننا متفقون على شيء اسمه التبرج. هل هو المكياج على الوجه؟ هل هو طريقة انتقاء الملابس؟ هل هو مرتبط بأسلوب المشي, أم هو الطريقة التي تضع فيها المرأة العباءة على جسدها؟ لا أحد يعلم بالضبط ولكن ستلاحظ تركيزا شديدا على الكلمة والضغط عليها عند الحديث عن خروج المرأة من بيتها. الكلمة البديلة لكلمة تبرج في اللغة الحديثة هي التجمل. عندما نقرأ الشروط المطلوبة من المرأة عند الخروج من البيت لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح لها أن تكون متبرجة إذا أخذنا كلمة تبرج بمعنى تجمل, لأن المطلوب من المرأة السعودية أن تخرج من البيت قطعة سوداء كالليل البهيم. بهذا يمكن القول إن أي امرأة يظهر من جسدها شيء كأطراف أصابعها أو حواف جبهتها أو خصلة صغيرة من شعرها متبرجة. إذا المرأة السعودية عندما تترك قطعة من جسدها تتسلل خارج الليل المضروب عليها أثناء السير تعتبر خارج المنظومة الأخلاقية وبالتالي يحق للرجال التحرش بها. يستقيم كلامنا هذا إذا عرفنا أن مجرد خروج المرأة من بيتها بدون عذر شرعي قاهر يعد جريمة فكيف إذا خرجت دون الالتزام بشرط الليل. عندما يطارد بعض الرجال السعوديين المرأة السعودية في الخارج لا يطاردها لأنها الأجمل بل لأنها تعتبر في نظره خرجت من الشرط الأخلاقي الذي يجب أن تكون عليه وبالتالي أصبحت أسهل منالا, فالمرأة الأخرى التي يصادفها خارج المملكة (متعرية) ينظر إليها في إطار منظومة أخلاقية أخرى وبالتالي لا يجرؤ على التحرش بها او التعدي عليها احتراما لتلك المنظومة. فهذا الرجل في أصله محترم لا يعتدي إلا على من يراه خارج الأخلاق الحميدة ولا يستحق الاحترام .( كمن يطارد لصا أو نشالا في السوق). من شاهد مقاطع التحرش التي حدث في الشرقية سوف يلاحظ أن الشباب لم يطاردوا الفتيات بقصد المغازلة أو التودد او الكسب الجنسي وإنما يوقعون عقابا عليهن لأنهن خرجن أو مارسن شيئا من التبرج في الشارع. هؤلاء الشبان النزقون لا يختلفون عن الشبان (الملتزمين!) الذين يحتسبون تطوعا مساندة للهيئة. المنظومة الأخلاقية واحدة عند الفئتين فيما يخص المرأة السعودية تحديدا . فشرف المرأة السعودية يكمن في بقائها في البيت لا تبرحه نهائيا وفي حال خرجت من البيت عليها أن تضرب على نفسها نطاقا اسود كالليل البهيم أو أن تتحمل مسؤولية ما يجري لها.