انتشر الظن بعد انتهاء الحرب الباردة ان عالما واسعا من السلام والاستقرار سوف يعم وان العنف سوف يخمد بعد انتهاء العداوة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولكن العالم الجديد لم يصل إلى مرساه، بل ان قدرا من النزاعات والصراعات ظلت مستمرة من أجل الاستحواذ على الموارد والسيطرة على حقول الماس والذهب والنحاس والخشب والمياه ومصائد السمك وغيرها، ولكن ظل النفط والغاز السلعة التي دخلت بعنف وقوة في احتلال صدارة إثارة الأزمات والنزاعات في العالم في السنوات التي نعيشها، حيث إن الطاقة أصبحت عنصرا هاما في استراتيجيات النمو والتقدم وانعكس ذلك بوضوح في بناء سياسات الدول وأمنها القومي. وخير مثال للعيان هو الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين واوكرانيا. لقد سلطت الدراسات الأضواء على بلدان آسيا الوسطى كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وتركماستان بعد الاستقلال إثر تفكك الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي على موضوعين: يمثل الموضوع الأول الثروات التي تحتضنها أراضيها بكميات هائلة من نفط وغاز ومعادن، وعلى سبيل المثال يتوقع أن يكون إنتاج النفط في كازاخستان 100 مليون طن والمخزون المؤكد والقابل للاستخراج منه 4.8 مليار طن، ويتوقع أن يكون انتاج الغاز الطبيعي نحو 61.5 مليار متر مكعب في عام 2015، أما الاحتياطي المكتشف والمقدر منه قد يصل إلى 3.3 تريليون متر مكعب والمخزون المحتمل إلى 6-8 تريليون متر مكعب. لذا تراكضت الشركات البترولية الأمريكية وغيرها للوصول إلى هذه المنطقة لاقتناص ثرواتها النفطية والغازية وتدفقت الاستثمارات لتمويل مشاريع استغلال تلك الثروات والاحتياطي الضخم الذي تحتضنه أراضيها. أما الموضوع الآخر فقد اعطى الأهمية للموقع الجغرافي لهذه المنطقة حيث يشكل هذا الموقع أعماقا حيوية لروسيا والصين وشبه القارة الهندية وإيران. ولا تخفي روسيا هواجس القلق من دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى أراضي آسيا الوسطى ويعتقد الروس ان آثار الخطوات الأمريكية في هذه المنطقة ليست محصورة في الاستفادة من موارد الطاقة النفط والغاز، وإنما لوضع أقدامها قريبة من مناطق هذه الموارد والعمل على تعزيز نفوذها في المنطقة، أي تهديد الأمن القومي الروسي، خاصة وان الحركة النشطة الأمريكية تخفي هدف زيادة التقرب من جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى التي كانت فضاء نفوذها سابقا. إضافة إلى ذلك اثارت ثروات بحر قزوين النفطية والغازية الضخمة خلافات بين الدول الخمس المطلة على سواحله روسيا وايران وكازاخستان وتركماستان واذربيجان حول تقاسم الثروات والنفوذ لعدم الاتفاق على معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين والمؤدية إلى تقاسم الثروات والنفوذ بين الدول المحيطة به. وقد جرت تلك الخلافات إلى عرقلة الاستثمار بقدر ما في ثروات بحر قزوين. وعلى الرغم من الخلافات بين روسيا وايران حول مقترحات التقسيم، إلا أن روسيا وإيران تتفقان على ضرورة منع الوجود العسكري للدول غير المطلة على بحر قزوين أي رفض الوجود العسكري الأمريكي والغربي في المنطقة. وبالمقابل فان روسيا تود استمرار التحكم بطرق نقل النفط والغاز في هذه المنطقة، ولكن بعد مشروع انبوب النفط باكو (أذربيجان) تبليسي (جورجيا) جيهان (تركيا) لم تعد روسيا قادرة على التحكم بصورة كاملة على هذا الطريق نتيجة تزايد النفوذ الغربي في هذه المنطقة أثر مشاريع خطوط انابيب نقل النفط والغاز والعمل على حماية مسارات النقل عسكريا. ولا شك ان دخول الصين حلبة التسابق على النفط تلبية لحاجة اقتصادها الذي يعرف خط نمو تصاعدي وطموحها في إنشاء شبكة اقتصادية تربط بين مراكز تجارية برية وبحرية في دول آسيا وأفريقيا وأوروبا، قد يفرض عليها زيادة شراهتها للنفط والحماية لهذه الشبكة الاقتصادية عن طريق قوة ناعمة لكسب النفوذ وتوسيع قدراتها العسكرية لحماية مصالحها التجارية وامددها من الطاقة وقد يشكل ذلك قلقا أمريكيا على الأسواق التجارية وآمن الطاقة خصوصا بعد تعمق العلاقات الروسية -الصينية.