أكد العاملون في حقل التربية والتعليم أن مهنة التعليم من أهم المهن، وينبغي أن يتولى أبناء الوطن هذه المهمة الاستراتيجية باهتمام ورغبة واخلاص، مشيرين إلى الجهود الحثيثة التي تبذلها دولة الإمارات في توطين التعليم الحكومي والذي نجحت فيه إلى حد معقول في توطين المعلمات الإناث في المدارس على مستوى الدولة . أشارت إحصاءات وزارة التربية والتعليم إلى تراجع عدد المعلمين المواطنين الذكور في العام الدراسي-4102 2013 ليصل إلى 745 معلماً من إجمالي عدد المعلمين الذكور البالغ 6610 معلمين بنسبة تصل إلى 11.27٪، بعد أن وصل عددهم في العام الدراسي 2012-2013 -إلى 815 معلماً من أصل 7159، بنسبة تصل إلى 11.38٪ . فيما بلغ عدد المعلمات المواطنات في مدارس الدولة 10685 معلمة من أصل 14956 معلمة للعام الدراسي 2010-2011، بنسبة 71٪ من المجموع الكلي للمعلمات، وتراجع عدد المعلمات المواطنات في مدارس الدولة إلى 10580 معلمة من أصل 16289 معلمة للعام الدراسي 2013-2014م، أي بنسبة 65٪ تقريباً من المجموع الكلي للمعلمات العاملات في مدارس الدولة. وكشفت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية في تقريرها الأخير، أن إجمالي عدد موظفي وزارة التربية والتعليم الذين تركوا العمل خلال الربع الثالث من العام الماضي بلغ 382 موظفاً من اجمالي عدد موظفي الحكومة الاتحادية في الجهات المشغلة لنظام بياناتي البالغ 764 موظفاً. توطين المهنة الدكتورة امل القبيسي مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم تؤكد أن التوطين في المجال التعليمي يتصدر أجندة أولويات المجلس الذي نجح في توطين الوظائف في المدارس الحكومية بإمارة أبوظبي، حيث تمكن المجلس من تعيين 1485 مواطناً في الوظائف القيادية والتدريسية، والوظائف الإدارية المساندة داخل مدارس الإمارة، بنسبة زيادة تصل إلى 26٪ في أعداد المواطنين بالميدان التربوي. إن التوطين في هذا المجال يترجم توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس مجلس أبوظبي للتعليم، والحرص البالغ من سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، نائب رئيس مجلس أبوظبي للتعليم، على تمكين المواطن وتهيئة بيئة العمل المناسبة التي تعزز آلية استقطاب المواطنين في الميدان التربوي. وقالت القبيسي إن المجلس حقق زيادة في أعداد المواطنين الملتحقين بالقطاع التربوي، في ظل انتهاجه برنامجاً متكاملاً لاستقطاب المهارات المواطنة لمهنة التعليم، تضمن مبادرات وبرامج عدة منها ما ارتبط بالهيكل الجديد للرواتب والمزايا الجديدة للمواطنين، وتنفيذ برامج التطوير المهني، وتوفير فرص وبرامج تعليم متنوعة ومتطورة لإعداد معلمي المستقبل، وتشجيع المواطنين على الالتحاق ببرامج الدراسات العليا، إضافة إلى توطين معلمي مادة التربية الوطنية بالمدارس. إن تعزيز البيئة المدرسية من حيث المبنى المدرسي وإعداد المعلمين والاهتمام بالبنية التحتية من تقنيات ومناهج وطرائق تدريس وغيرها من المدخلات المهمة لتخريج أجيال تستطيع مواكبة العصر قد أسهم إلى حد كبير في استقطاب الشباب المواطنين إلى المهنة واستقرار العملية التعليمية في مدارس الإمارة. وقال محمد سالم الظاهري المدير التنفيذي لقطاع العمليات المدرسية في مجلس أبوظبي للتعليم، إن المجلس يسعى بشكل مستمر إلى استقطاب المواطنين، للعمل ضمن الهيئات التربوية والإدارية والفنية بالمدارس، في إطار الجهود الرامية إلى تنفيذ أحد أهدافه الاستراتيجية المتعلقة بزيادة معدلات التوطين في مدارس أبوظبي، والمساعدة على الارتقاء بمكانة المعلم، ورفع قدر مهنة التدريس، وكذلك نظراً للدور الحيوي الذي يقوم به المعلمون المواطنون، في تعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ قيم الولاء والانتماء والثقافة المحلية والهوية الوطنية، وممارسة المواطنة الصالحة من خلال التعليم وغيرها من المكونات الأصيلة للشخصية الإماراتية. إن توطين الوظائف في المدارس يعد من أولويات استراتيجية استقطاب وتطوير رأس المال البشري في مجلس أبوظبي للتعليم، واعتماد الهيكل التنظيمي المدرسي أسهم في خلق فرص وظيفية متعددة ومتنوعة، لاستقطاب الكفاءات من المواطنين، وبلغ توطين الوظائف الإدارية 100٪، والوظائف القيادية، 75٪ والوظائف المساندة المستحدثة التي تم توفيرها أسهمت في رفع مستوى الإنتاجية والجودة في الميدان التربوي. وبيّن أن التعيينات الجديدة شملت توظيف 55 مواطناً في وظائف قيادية 3 ذكور و52 من الإناث)، و1034 مواطناً في وظائف إدارية مساندة (74 ذكوراً، و960 إناثاً)، و396 في وظائف تدريسية (24 معلماً، و372 معلمة)، موضحاً أن عدد المعلمين المواطنين بلغ 7429 معلماً ومعلمة، أما غير المواطنين فقد بلغ 6811 معلماً ومعلمة، أي أن توطين وظيفة المعلم وصلت إلى نسبة ٢٥٪. إشكاليات عديدة ويواجه الراغبون في الانتساب إلى مهنة المعلم إشكاليات عديدة، تبدأ بالمسؤوليات الوظيفية المتعددة، وقلة الحوافز والمكافآت المالية، إضافة إلى تأثير عدد من القرارات الأخيرة، كدمج أصحاب الاحتياجات الخاصة في المدارس الحكومية وآلية النجاح الآلي التي أفرزت مستويات تعليمية متدنية بحسب التربويين، مما أسهم في مضاعفة الضغوط العملية والمهنية على المعلم، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى الإساءة لمهنة المعلم وإحباط الجهود الرسمية الرامية لتعزيز وجود العناصر المواطنة فيها. وقال محمد الحمادي (معلم ثانوي): إن حجم المكافآت والحوافز المقدمة للمعلم المواطن لا تتفق وحجم المجهود والمسؤوليات الملقاة عليه، مطالباً بإعادة النظر لتلك الحوافز والعمل على زيادتها لتتناسب وحجم الجهد المبذول من المعلم . وأكد حمد ناصر البلوشي (منسق مادة) أن تزايد عدد الاستقالات في صفوف الكوادر التعليمية، لعدم وجود خطط مناسبة لتعيين البديل المناسب لتلك الكفاءات في عدد كبير من التخصصات العلمية، ما ينذر بتراجع نسب توطين المهنة بشكل عام . وأوضح أن أهم أسباب عزوف المواطنين الذكور عن العمل في مهنة التدريس من ناحية، وتسرب البعض منهم من ناحية أخرى هي عدم حب المهنة، وعدم مناسبة المهنة للاستعداد الشخصي، وقلة الدخل، والصعوبة، وقلة فرص الترقية، وقلة الحوافز، وعدم احترام المجتمع للمهنة، وتأثير الآخرين في الابتعاد عن المهنة وصورة المعلم المهينة في وسائل الإعلام. معوقات اجتماعية واقتصادية وقال فيصل الدرمكي - معلم - إن هناك مجموعة معوقات تؤدي إلى العزوف عن مهنة التعليم، منها معوقات اجتماعية وتتضمن عدم تمتع مهنة التعليم بالمكانة الاجتماعية المرموقة مقارنة بالمهن الأخرى، وأن المستقبل الوظيفي للمعلم في المجتمع محدود، وصورة المعلم المهينة التي تعرضها وسائل الإعلام، وعدم تشجيع الأسر لأبنائها على الالتحاق بمهنة التعليم لكثرة متاعبها، وإهمال المعلم وعدم تكريمه أو الاعتراف بإنجازاته في المجتمع، كما أن المجتمع ينظر للمعلمين على أنهم أقل من أصحاب المهن الأخرى. وتابعت أمينة الماجد مديرة مدرسة القادسية الثانوية أن هناك أيضاً معوقات اقتصادية تتضمن تدني رواتب المعلمين، وعدم استطاعة المعلمين الوفاء بالالتزامات المادية والمعيشية لأسرهم، ومحدودية الترقية الوظيفية، وتوفر فرص عمل أفضل في القطاع الحكومي والخاص، وعدم توفر نظام منصف للتقاعد، وضعف الإمكانات المادية في المدارس مقارنة بمواقع العمل في المهن الأخرى، وتكليف المعلم بأعباء تدريسية وإدارية خارج نطاق مسؤولياته الرسمية دون مقابل مادي، وعدم وجود نظام واضح ومنصف لحوافز المعلمين، وقلة توافر الخدمات الاجتماعية والصحية للمعلم مقارنة بالمهن الأخرى وقد يكون ذلك متوفراً لمعلمي مدارس امارة أبوظبي الحكومية ولكن هناك معلمين في بقية الامارات لا يحظون بتلك الامتيازات. كثرة الأعباء وعن المعوقات التي يعاني منها المعلمون وتتسبب في تسربهم من المهنة قال سعيد مرزوق المرزوقي وكيل مدرسة ثانوية إن كثيراً من الطلبة لا يحترمون المعلمين، الذين تثقل كاهلهم كثرة الأعمال والأعباء اليومية، وأن المعلم يبذل جهوداً مضنية وشاقة مقارنة بالمهن الأخرى، وعدم وجود تشريعات تحمي المعلم، وصعوبة تتبع وملاحظة إنجازات المعلم بشكل فوري، وتغير أدوار المعلم بشكل مستمر ما يضيف أعباء متزايدة عليه، وكثرة الصراعات والمشكلات بين المعلمين والإداريين في المدارس، وعدم تقدير الإدارة المدرسية وأولياء الأمور لجهود وإنجازات المعلم. وأكدت عائشة سيف الظنحاني (تربوية) أن من أسباب التسرب والعزوف عن مهنة التعليم البيئة المدرسية المحبطة وغير الجاذبة والمشجعة على العمل، إضافة إلى حمل بعض الطلبة اتجاهات سلبية نحو مهنة التعليم ومن فيها، وعدم قبول كثير منهم لسلطة المعلم ما يؤدي إلى وجود بعض المشكلات التي يضيق بها صدر المعلم وتؤدي إلى تولد الاحباط لديه من المهنة ومن ثم التسرب . مبادرة نوعية وأشاد مديرو مدارس أبوظبي بإطلاق مبادرة علّم لأجل الإمارات والتي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى الدولة، بالتعاون بين مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، ومجلس أبوظبي للتعليم، وبالشراكة مع منظمة التعليم للجميع الأمريكية، التي تهدف لاجتذاب أفضل خريجي جامعات الدولة من جميع التخصصات للقيام بالتعليم في المدارس الحكومية لمدة عامين، بعد تخرجهم وقبل انضمامهم لقطاعات ومؤسسات العمل المختلفة حسب تخصصاتهم . وقال عمر عبدالعزيز وكيل مدرسة خليفة بن زايد للتعليم الثانوي بأبوظبي إن استقطاب أفضل المواهب الشابة والكفاءات الوطنية من خريجي جامعات الدولة لتأهيلهم كقياديين في المدارس يسهم في تطوير أداء طلاب المدارس والارتقاء بجودة التعليم، مشيراً إلى أن استقطاب المعلمين المواطنين إلى المهنة يشكل مصدر إلهام وقدوة ومثلاً أعلى للطلبة بتميزهم وأخلاقياتهم، لافتاً إلى أن ذلك سيخدم الأهداف الاستراتيجية الطموحة لمجلس أبوظبي للتعليم ورؤية إمارة أبوظبي، لتوطين قطاع التعليم بانضمام أفضل الكفاءات من مختلف التخصصات. منى البحر: عزوف المواطنين خلل غير طبيعي أكدت الدكتورة منى البحر، رئيسة لجنة شؤون التربية والتعليم والشباب والإعلام والثقافة بالمجلس الوطني الاتحادي، أن مهنة التدريس أصبحت غير جاذبة للمواطنين الذكور بصفة خاصة، حيث يلاحظ العزوف من طلاب الثانوية العامة عن الالتحاق بتخصصات التعليم في كلية التربية بجامعة الإمارات، حتى أن بعض هذه التخصصات كان التسجيل فيه صفراً في إحدى السنوات بالنسبة للذكور، كما تقلص التحاق الطالبات الاناث بكليات التربية خلال السنوات العشر الأخيرة حتى وصل عددهن إلى 600 طالبة فقط بعد أن كان العدد قبلها يصل إلى حوالي 5000 طالبة. إضافة إلى أن عزوف المواطنين عن العمل بمهنة التدريس يدل على خلل غير طبيعي، وأنه ينبغي التدخل لحل الأسباب التي تقف وراء العزوف عن العمل بالتدريس، وأهمها الأعباء الوظيفية، وبيئة العمل، والامتيازات الوظيفية، وقلة الترقي، ومسألة الرواتب، التي يؤكد عليها المعلمون والمعلمات المواطنات بشكل رئيسي . إن التعليم يحظى بدعم كبير من قبل الدولة، واستطاع خلال السنوات القليلة الماضية تحقيق قفزات نوعية أدت إلى زيادة أعداد المدارس والمعاهد والجامعات، ما أتاح لأبنائنا فرص التعلم، حيث تستوعب تلك المؤسسات سنوياً أعداداً كبيرة منهم، كما أصبحت لدينا بنية تعليمية تحتية راقية في إطار مشروع حضاري يشمل مختلف أوجه حياتنا، وفي مقدمتها التعليم باعتباره الرافد الرئيسي للتنمية والتطوير، ولكن تظل هناك حاجة ماسة لإقناع الكادر الإداري والتعليمي المواطن من الذكور الذي لا يزال يرفض الانخراط في هذه المهنة بحجة صعوبتها وتدني الراتب والمزايا مقارنة بالتي يحظى بها الموظفون في مختلف المؤسسات الأخرى، إضافة إلى عدم تقدير المجتمع لمكانة المعلم أحياناً، وتدني اهتمام الكثير من الأسر بأبنائها واتكالها على المدرسة، متجاهلة أن الأسرة هي الواجهة الأولى للتعليم وشريك أساسي فيه، لافتة إلى أن كل تلك الأمور تعرّض المعلم لضغوط نفسية وإحباط مستمر تزيد من نفوره وعدم رغبته في الانخراط أو الاستمرار في مجال التدريس، مما يضاعف من حدة النقص الكبير في الكادر التربوي المواطن، خاصة في مدارس الذكور. وأوضحت أن نسبة المعلمين المواطنين من إجمالي المعلمين الذكور في المدارس الحكومية تبلغ 10٪ فقط، مشيراً إلى وجود تسرب وعزوف ملحوظ عن الالتحاق بالمهنة بين أوساط المعلمين المواطنين الذكور والانتقال للعمل في مهن أخرى. وكشفت عن أن اللجنة أجرت خلال الفترة الماضية 3 لقاءات مع المعلمين والميدان التربوي في العديد من إمارات الدولة ووقفت ميدانياً، على التحديات التي تعيق عمل المعلم ومنها الوضع المادي وسياسة التقاعد المطبقة على المستوى الاتحادي، التي يقل معها راتب المعلم بعد الإحالة للتقاعد.