لم تكن هناك من خطوة أعادت الروح والأمل إلى جسد الأمة العربية الممزقة أكثر مما أعلنه اليمنيون في الثاني والعشرين من مايو/أيار من العام 1990، عندما فاجأوا العالم بالإعلان عن إقامة دولة الوحدة بعد سنوات من الخلافات والحروب الشطرية بين نظامين كان كل واحد منهما ينتمي إلى فصل من فصول مدرسة الحرب الباردة. تفاءل العرب كثيراً بالخطوة اليمنية ظناً منهم أن ذلك يؤسس لخطوة مماثلة أكثر اتساعاً وأشمل جغرافية، لكن اليمنيين، بقدر ما أفرحوا أشقاءهم أشاعوا فيهم الإحباط بعد أقل من عام إثر اندلاع الخلافات فيما بينهم على خلفية غزو العراق للكويت في أغسطس/آب من العام نفسه، وعودة الانقسام من جديد بين مؤيد ومعارض للغزو، ومع الأسف كان الانقسام على أساس شمال وجنوب وعلى مستوى القيادة العليا، وحتى على مستوى القواعد، فصالح اختار الذهاب بعيداً مع صدام حسين؛ فيما كان نائبه علي سالم البيض يقف على النقيض. غزو الكويت ذبح حلم اليمنيين في الاستقرار؛ فقد كانت سياسة صالح فجّة مع جيرانه الذين كان لهم الفضل في تقديم المساعدات والهبات للشطرين سنوات طويلة، بخاصة دولة الكويت، ومن جراء هذا الموقف المخاتل لصالح عاد إلى اليمن نحو مليوني مغترب كانوا ينفقون على ما يربو على عشرة ملايين بني آدم في البلاد. وإلى جانب غزو الكويت جاءت الخلافات المستعرة بين صالح والبيض، وصلت مع الأسف إلى حرب 1994 التي قصمت ظهر الدولة الوليدة، وبها بدأ تسارع الانهيار في الوحدة نفسها التي غدر بها من قبل الرئيس السابق صالح الذي بنى شبكة من التحالفات السياسية والقبلية والدينية لاجتياح الجنوب سياسياً وجغرافياً. غدر صالح بالوحدة وبشركائه الذين لا يعفَون من بعض المسؤولية في ما حدث بعد الإعلان عن دولة الوحدة، كلف اليمنيين الكثير، فقد استباح صالح وأعوانه أرض الجنوب تحت زهو الشعور بالانتصار، ومارس وأعوانه سياسات أساءت إلى الوحدة، مع أن الوحدة كقيمة وفكرة لا علاقة لها بما كان يرتكب على الأرض. الوحدة إذاً، غدر بها صناعها، أو بشكل أدق أحد صناعها، ويمعن الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحليفه الجديد عبدالملك الحوثي في إهالة التراب عليها بالحرب الشاملة التي قام الطرفان بشنها على مناطق الجنوب خلال شهر مارس/آذار الماضي، ولا تزال قائمة حتى اليوم، إذ إن مدناً مسالمة، مثل عدن ولحج ومعها تعز، تستباح تحت مسميات مختلفة، من بينها مطاردة القاعدة والدواعش والتكفيريين، مع أن الحرب التي شنها صالح عام 1994 كانت تحت يافطة أن الجنوبيين مرتدون عن الإسلام، وفق فتاوى أصدرها كبار مشائخ جماعة الإخوان المسلمين حينها، أمثال الشيخ عبدالمجيد الزنداني وعبدالوهاب الديلمي. المعارك التي تدور اليوم في الجنوب وإصرار الحوثي وصالح على خوضها حتى النهاية، تضع حداً للوحدة السياسية التي انتهت بصيغتها الحالية، وعلى الجميع البدء بالبحث عن صيغة جديدة تحافظ على وحدة الجغرافيا، قبل أن تنهار إلى جانب الوحدة السياسية في قادم الأيام.