يبدو أن شهر رمضان بات يشكل لمنتجي المسلسلات التلفزيونية تحريضا على استثمار نهاراته ولياليه وملئها بكل ما يمكن أن يملأ فراغ المشاهدين والمشاهدات من قصص وحكايات لا تملأ الفراغ إلا بما هو أشد فراغا، بعد أن باتت تلك المسلسلات عبارة عن قصص مكررة وحكايات لا يمكن وصفها بغير التفاهة التي يقتات منها أولئك الذين باتوا يعدون أنفسهم من كبار المخرجين والممثلين، وتقتات منها قبلهم شركات الإنتاج ومؤسسات الدعاية والإعلان وملاك القنوات الفضائية وأصحاب البضائع الاستهلاكية الذين يسوقون منتجاتهم، مستغلين ارتفاع وتيرة الرغبة المحمومة في الإنفاق لدى المستهلكين، حتى كأنما إنفاقهم على ما لا حاجة لهم به من متممات صومهم التي لا يشعرون بمعنى لرمضان إلا إذا بالغوا فيها، على نحو جعل من الشهر الذي من المفترض أن يصوم المسلم فيه عن الشهوات شهرا محرضا على مزيد من هذه الشهوات. التقارير الصحفية تتحدث عن أن شركات الإنتاج استعدت لهذا الشهر بما يفوق الخمسين مسلسلا تلفزيونيا، وتشير التقارير نفسها إلى تنافس محموم بين الشركات الخليجية والمصرية والسورية واللبنانية في الاستحواذ على سوق المسلسلات الرمضانية، التي سوف تحقق للرابحين فيها ما يكفيهم للنوم عاما كاملا، يستيقظون بعده لكي يتسابقوا لإنتاج مسلسلات أخرى لرمضان قادم، وحسب القنوات الفضائية أن «تزيد وتعيد» وتكرر عرض مسلسلاتهم طوال العام. مسلسلات باتت تشكل تهديدا لذائقة المشاهدين، وإهدارا لقيم الفن الرفيع، وعبثا بمقدرات أمة تواجه أخطر التحديات في تاريخها، مسلسلات رمضان باتت في غالبيتها العظمى إعلانا للقطيعة مع الواقع والفن والذوق، وتأكيدا على أن هؤلاء الذين يعدون أنفسهم ممثلين ومخرجين ومنتجين يعيشون في كوكب آخر غير الكوكب الذي نعيش فيه. suraihi@gmail.com