لأنه كان يدرك جيداً الفرق بين المودة والأيديولوجيا تجده محاوراً شرساً لا تمتلك إلا أن تختلف معه، لكنك في المقابل لا يمكنك إلا أن تحبه. فهو يجبرك بسحره الإنساني، وبنبله البدوي النادر إلى التسليم بين يديه بمقولة «اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية». لم يدّخر حزام العتيبي في تجربتيه الشعرية والصحفية قروناً لمعارك قادمة، لأنه لم يكن يؤمن بها، أو يراها، فمعركته الكبيرة/الصغيرة هي التي تشتعل -فقط- بين يديه في لحظتها دون أن يوقّع نيات استمرارها على جدران الغيب. لذا فمن النادر أن يدير ظهره لأحد -بعد الاختلاف معه- دون أن يعتذر بأدب الفرسان الشرفاء عن أي خطأ لربما ارتكبه دون قصد. أبو يزيد وبحكم عمله الصحفي- كان يخبرني بين فترة وأخرى كلما أخذنا الاختلاف بأنه يحتفظ بوثائق مهمة (ورقية/ مرئية/ مسموعة) عن كل ملف يشتغل عليه، وربما يوقع القدر بين يديه وثائق أخرى في غاية الأهمية والخطورة لكنه لا يكترث بالفضائح المؤقتة. يبقيها جانباً، ويضحك على الأيام التي تحيك مؤامراتها ببطء، لتخبره -لاحقاً- بأنه قادر -لو أراد- أن يسقط كثيرا من الأقنعة الزائفة، ويفضح عديدا من الوجوه المدّعية. غير أنه –رحمه الله- لم يفعل، فهو «الصندوق الأسود» الآمن كما أسماه صديقه الشاعر هشام جحدلي. رحل الشاعر الأسمر تاركاً بين أيدينا «قصائدها» و«استراحات على سطح الثريا»، ومعارك أدبية كثيرة، ونصوصاً طرية لم تر النور بعد. الآن، ليس بأيدينا سوى أن ننتظر بشوق أن تجمعها مشكورةً رفيقة دربه الأديبة ليلى الأحيدب لنقف جميعنا على ذاكرته الأدبية والصحفية والإعلامية النبيلة التي وإن اختلفنا معه في بعضها، إلا أننا أحببناه من خلالها. فوداعاً أبا يزيد، فقد آن لك أن ترتاح يا صديقي.