موسكو: ستيفن لي مايرز* لندن: «الشرق الأوسط» لا يبرح إدوارد سنودن مقر إقامته السري الخاضع للحراسة، والموجود في مكان ما في روسيا، إلا في مناسبات نادرة للغاية، في ظل مراقبة لصيقة، ويقضي أغلب وقته في تعلم اللغة والقراءة، وأنهى مؤخرا رواية «الجريمة والعقاب». ترافقه في عزلته سارة هاريسون، الناشطة البريطانية التي تعمل في «ويكيليكس»، ولا تحظى باهتمام كبير، والتي يبدو أيضا أنها وجدت نفسها رهينة نفس مأزق اللجوء المؤقت الذي منحته روسيا إلى سنودن قبل ثلاثة أشهر. يشير أندري سولداتوف، الصحافي الذي كتب بشكل موسع عن الأجهزة الأمنية، إلى أن جهاز الأمن الفيدرالي، وريث جهاز الاستخبارات في الحقبة السوفياتية، يسيطر بشكل واضح على حياة سنودن الآن ويشرف على حمايته ويقيد أنشطته حتى وإن لم يفعل ذلك بشكل مباشر. وقال سولداتوف، الذي شارك مع إيرينا بوروغان، في كتابة تاريخ جهاز الأمن الروسي الجديد الذي صدر تحت عنوان «ذا نيو نوبلتي»: «إنه محاط فعليا بهؤلاء الأشخاص». كانت الأخبار الخاصة بسنودن تتداول بصورة سرية، لكن محاميه أناتولي كوتشيرينا أعلن أول من أمس أن سنودن وافق على العمل لدى إحدى شركات الإنترنت الروسية، بدءا من (أمس) الجمعة. ورفض كوتشيرينا خلال مقابلة تلفزيونية تقديم تفاصيل حول حياة سنودن في المنفى، لأن مستوى التهديد الذي تمثله حكومة الولايات المتحدة على حياته لا يزال مرتفعا للغاية. وفي الوقت ذاته، نشرت وكالة أنباء «لايف نيوز»، التي يعتقد أنها ترتبط بعلاقات مع جهاز الأمن الروسي، صورة يقال إنها لسنودن في رحلة نهرية في نهر موسكو بجوار الكرملين. وكانت الوكالة نشرت صورة سابقة، أقل إقناعا بشكل كبير، لرجل شبيه بسنودن يدفع عربة تسوق في ما بدا ساحة انتظار سيارات لمركز تسوق. وقالت المتحدثة باسم وكالة «لايف نيوز» إنها تلقت كلتا الصورتين عبر موقعها على الإنترنت، وإن مرسلهما تقاضى مائة ألف روبل، أو أدنى من ثلاثة آلاف دولار بقليل. وحذر سولداتوف وآخرون من أن هذه الأخبار قد تكون محاولات لصرف الانتباه أو حتى الدعاية لتخلف انطباعا بالسعادة واللجوء السياسي المفتوح. وأشار إلى أن جهاز الأمن الذي يقوم حاليا بحماية سنودن قد لا يحاول استجوابه في الوقت الراهن حول معلوماته، وهو الأمر الذي يشكل الهاجس الأكبر لأميركا، لكنهم يتركونه يعيش في مثل هذه الظروف ويصبح معتمدا بشكل كبير عليهم. وقال راي ماكغوفرن، مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق وعضو «رابطة سام آدمز لنزاهة الاستخبارات»، الذي التقى سنودن بعد ثلاثة أسابيع من ظهوره العلني وحصوله على حق اللجوء السياسي في 31 يوليو (تموز) «إنه حر، لكنه لا يتمتع بحرية كاملة». وحتى الذين حضروا لم يكونوا على يقين كامل بشأن المكان الذي عقد فيه الاجتماع، حيث جرى اصطحابهم إلى المكان في شاحنة ذات نوافذ سوداء. لا يمكن التأكد من إمكانية عمل سنودن بحرية، على الرغم من سماح أوضاع اللجوء السياسي نظريا بذلك، لكن بعض الخبراء شككوا في الفكرة، بالنظر إلى الرغبة الواضحة لسنودن في البقاء متخفيا. غير أن المزاعم الأخرى بشأن حياة سنودن الخيالية هنا (مخبأه وأنشطته الاجتماعية وحتى مواعيده الغرامية) غير مدعومة بسند أو دليل. لكن المقابلات مع الأشخاص الذين التقوه قدمت بعض الدلائل حول الحياة غير المتوقعة في المنفى في بلد لم يكن مقصده المرغوب عندما فر من الولايات المتحدة. وذكر البعض أنه في اليوم الذي منحته فيه وكالة الهجرة الروسية لجوءا سياسيا مؤقتا لعام واحد، عرض عليه مؤسس أبرز الشبكات الاجتماعية الروسية، فكونتاكت، العمل لديه، مشيرا إلى أن خبرته ستساعد في حماية البيانات الشخصية لمستخدمي الموقع. لكن المتحدث باسم الشركة، غريغوري لوبوشكين، رفض التعليق، ونقل موقع «Digit.ru» عن المدير التقني للشركة، نيكولاي دوروف، قوله إنه لا يعلم ما إذا كان سنودن قبل الوظيفة أم لا. كما أكدت شركتا إنترنت بارزتان هما «ياندكس» و«مايل» أن سنودن لا يعمل لديهما. وقالت جيسلين راداك، وهي مسؤولة سابقة في وزارة العدل الأميركية حضرت اجتماعا مع سنودن الشهر الماضي «هناك الكثير من الشائعات عن تلقيه عروضا للعمل». وعبرت في مقابلة هاتفية الخميس عن شكوكها في حصوله على الوظيفة، وقالت «عندما التقيت سنودن كانت أولوياته تعلم اللغة الروسية، والتأقلم على منزله الجديد، والمساعدة في المشاركة في إصلاح المراقبة». وإضافة إلى كوتشيرينا، الرجل الذي تعامل مع الكثير من الحالات الشهيرة هنا، والذي يعد وسيلة الاتصال الرئيسة لسنودن مع العالم والجهود لمناهضة مدى التجسس الأميركي، توجد هاريسون، المساعدة الموثوقة لمؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج. ووصلت هاريسون مع سنودن على الرحلة القادمة من هونغ كونغ في يونيو (حزيران) والتي تركتهما وقد تقطعت بهما السبل دون قصد في منطقة الترانزيت في مطار شيريمتيفو الدولي في موسكو، وعندما حصل سنودن على إذن بالبقاء في روسيا، على الرغم من الضغوط الأميركية المكثفة، التقطت لها صور معه وهما يغادران المطار ويستقلان التاكسي متوجهين إلى مقر إقامتهما تحت الأرض منذ وصولهما إلى هناك. وعبر هاريسون و«ويكيليكس»، نظم أعضاء «رابطة سام آدامز» اجتماعهم مع سنودن، ربما هنا في موسكو على الرغم من الشكوك تجاه ذلك، لتقديم جائزة له على تسريباته. وفي مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» أجريت عبر رسالة بريد مشفرة نشرت قبل أسبوعين، رفض سنودن مناقشة أوضاع حياته، عدا القول إنه لم يأخذ أي وثائق وكالة الأمن القومي معه إلى روسيا، وإنه لا يخضع لسيطرة الحكومة الروسية، وإنه يتمتع بحرية الانتقال. وقال ماكغفرن، مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية السابق «يبدو واضحا أن لديه القدرة على الوصول إلى الإنترنت»، لأن سنودن كان «على علم تام» بشأن الجدل الذي تسبب فيه، بما في ذلك شهادة مسؤولين في الكونغرس الأميركي حاولوا تفسير العمليات التي كشفتها تسريباته هذه. وأضاف «إنه على اتصال بهذه الروايات عبر سارة هاريسون». وفي تطور آخر، نقلت وكالة أنباء إنترفاكس عن مصدر روسي قوله أمس إن سنودن يمكن أن يدلي بشهادته أمام مدعين ألمان في قضية التجسس المفترضة على الهاتف الجوال للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وسيكون من الصعب على سنودن مغادرة روسيا لأنه سيفقد وضع اللاجئ، لكنه يستطيع الرد على أسئلة ألمانيا خطيا أو عبر لقاء مع المدعين في روسيا، كما أضاف هذا المصدر. وقد التقى سنودن أول من أمس في مكان سري النائب البيئي الألماني كريستيان شتروبيله الذي كان يرافقه صحافيان. وأوضح شتروبيله في مقابلة مع الشبكة الأولى للتلفزيون الألماني «إيه آر دي» أن سنودن «أثبت أنه يعرف كثيرا من الأمور، وهو مستعد من حيث المبدأ للمساعدة في توضيح القضايا». وأضاف النائب الألماني أن سنودن «سيكون مستعدا حتى للمجيء إلى ألمانيا للإدلاء بشهادته». لكنه أوضح أن من الضروري أن تسمح الظروف بذلك. واقترح شتروبيله أيضا الاستماع إلى شهادته في روسيا. وردا على سؤال عن إمكانية استماع الألمان إلى شهادة سنودن، قال المحامي كوتشيرينا إن ذلك سيكون أمرا بالغ الصعوبة. ونقلت وكالة أنباء إنترفاكس عن المحامي كوتشيرينا قوله إن «سنودن يعيش في روسيا تحت القانون الروسي ولا يستطيع الذهاب إلى أي مكان في الخارج تحت طائلة فقدان وضعه الحالي. من جهة أخرى طالما هو في روسيا، فقد وافق على أن لا يكشف أي معلومات سرية». * خدمة «نيويورك تايمز»