هم أشخاص ناعمون، يعيشون بيننا، قد لا نشعر بشرّهم أبدًا، لكنّ الضررَ الذي يلحق بنا من ورائهم قد يكون مدمّرًا. الوشاية في مجتمعنا أصبحت -للأسف- منتشرة، وتراها بصور مختلفة، ويتلبس أصحابها ثوب الناصح الأمين في ذكره لعيوب الآخر أو أسراره، من باب ضرورة الاطّلاع على الأمر. كثير من البيوت تهدّمت، والعلاقات الإنسانية تدمّرت، وصداقات انهارت؛ بسبب واشٍ واحد. الوشاية مرض نفسيّ يتغلغل في أصحابه، يعتقد صاحب هذا الداء أن وشايته ستزيح عن طريقه كلَّ مَن يشعر أنه يشكّل خطرًا عليه، ويمكن أن تكون الوشاية بسبب حقد، أو حسد لوضع معيّن يرغب هذا الواشي في زواله من صاحبه، وكل هذه الممارسات، والتي نعي جميعًا أساليبها التي يتّخذها أصحابها، إلاّ أننا في بعض الأحيان -والله المستعان- نقعُ ضحية لهؤلاء الواشين، الذين يتلوّنون بألوان الحرباء؛ ولأن الوشاية يمقتها الطبع البشري النزيه، والنفس السليمة والمستقيمة، لذلك تجدها ممقوتة لدى الأمم والحضارات، قبّحوها وذمّوها وحذّروا منها، والمشكلة التي تجدها في مجتمعنا العربي هو أن الواشي هو الذي يُقرّب، ويُنظر إليه أنه الناصح، رغم تأكّدنا من الداخل أنه شاع بنشر الفتنة، وضرّ بها آخرين، إلاّ أننا نظل نقرّبهم ونستمع لهم بغريزة رغبتنا في معرفة ما يُقال ويُشاع! وهذه -والله- مصيبة. لذلك تجد أن كثيرًا من المواقع المختلفة، سواء في العمل، أو الجامعات، أو حتى في العوائل نفسها تجد أن وباء الوشاية يقضي على كل مظهر جميل وصحي، واليوم لم تقتصر الوشاية فقط على نقل ما لا يجب نقله بين الناس، بل أصبحت أساليبها مختلفة. فالواتس أب، وتوتير، والاستجرام، وغيرها أصبحت أساليب يستخدمها البعض لنشر الوشاية بالصوت والصورة. إن هذا المرض النفسي الخطير لابد أن نتكاتف لمواجهته ورفضه، ابتداءً من أنفسنا، وامتدادًا بأبنائنا ومجتمعنا. نعم إن المجتمع سيظل يوجد فيه هذه الفئة من المرضى، ممّن يقتاتون على الوشاية، لكن لابد من نشر وعي رفضهم، وعدم الإنصات لهم؛ لأن المشكلة ليست في وجودهم، بل في إعطائهم أهمية والاعتماد على معلوماتهم إمّا لاتّخاذ قرار، أو إتمام خطوبة، أو قبول وظيفة، أي أن ما يتدخلون يحدد قرارات مصيرية في حياة الأفراد، وهذا هو مكمن ضررهم. وأختم بوصف الشاعر العربي يزيد بن سلمة حول الوشاية حيث قال: تَكَنَّفَنِي الوَاشُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَلَوْ كَانَ وَاشٍ وَاحِدٌ لَكَفَانِي إِذَا مَا جَلَسْنَا مَجْلِسًا نَسْتَلِذُّهُ تَوَاشَوْا بِنَا حَتَّى أَمَلَّ مَكَانِي