ربما تمثّل أميركا «الروح في الآلة» (بحسب وصف ديكارت للروح في الجسد) بالنسبة للإنترنت. لذا شكّل غيابها عن قمة «نت مونديال» البرازيلية الحدث الأبرز فيها. وبسبب الغياب الأميركي المُدوّي، من المستطاع النظر إلى قمة «نت مونديال» باعتبارها نقطة بارزة في مسار ربما يؤدي إلى انهيار «برج بابل» الإنترنت. لم يأتِ الأمر بصورة مفاجئة. الأرجح أن بداياته الفعلية ابتدأت من أميركا (أيضاً وأيضاً)، تحديداً من هيئة الـ «آيكان» نفسها، ففي العام 2009، أثناء قمة دولية عن أسماء النطاق استضافتها العاصمة الكورية الجنوبيّة سيول، فاجأت الـ «آيكان» الدول كافة بقبولها التخلّي عن حقّها الحصري بإعطاء أسماء النطاق (واستطراداً، استمرار وجوب كتابتها بالإنكليزية)، والسماح بكتابة أسماء النطاق بمجموعة من اللغات الحيّة. وترافق القرار مع إعطاء البلدان الحق في منح أسماء نطاق متّصلة باسمها داخل حدودها الجغرافيّة والسياديّة. حينها، اعتبر كثيرون الأمر بمثابة الخطوة الأولى في تفكك الإنترنت. ورُبِط الأمر أيضاً مع وصول باراك أوباما الى البيت الأبيض، بأكثر من معنى. فمن ناحية، مثّل قرار الـ «آيكان» في قمة كوريا الجنوبية تنفيذاً لوعد انتخابي من أوباما. ومن ناحية أخرى، عبّر الأمر عن صعود الهويات الخصوصية في الإثنية والعرق والدين واللون وغيرها، وهو أمر عبّرت عنه رئاسة أوباما في السياسة أيضاً، سواء لكونه أفريقي- أميركي أو بسبب تأييده من قبل «هويّات» خصوصيّة كالأميركيين من أصول إسبانيّة وشرق آسـيوية والنساء ومثليي الجنس وغيرهم. وثمة مسار آخر للتفكك يجيء من مجريات الإنترنت. ألم تتحوّل بسهولة إلى المكان الأبرز لظهور الهويات المتناثرة عرقياً وإثنياً ودينياً وغيرها؟ ألا تسير يوميّاً نحو تعدد ضخم في اللغات والمحتويات وغيرها؟ والأرجح أنه يصح القول إن أشياء مثل فضيحة التجسس الإلكتروني الأميركي الشامل، حفزت المساعي للاستقلالية عن الإنترنت التي تراقبها عين الاستخبارات باستمرار. ربما تمثّل الدعوة إلى «إنترنت إسلاميّة حلال»، شكلاً باعثاً على الابتسام المستخف. ربما أكثر جديّة، هي استقلاليّة الإنترنت الصينية، المتأتيّة من الهيمنة القمعية لحكومة بكين، على عوالم الإنترنت في أراضيها. ولم تفلح المواجهة الضخمة بين شركة «غوغل» (التي ناصرها الكونغرس ووزارة الخارجية الأميركية) وحكومة بكين في كسر هذه الصورة.