تطالعنا وسائل الإعلام والاتصال الحديثة بشكل مستمر حول أحاديث ورأى وفكر تسمي مجازا إصلاحية ففي الحقيقة أي إصلاح نرغب ونريد؟ وهل الحاصل في الساحة اليوم إصلاح بالمعني الحقيقي للكلمة؟ وما هو الإصلاح المنشود لبلادنا؟ ولماذا يتشدق البعض بفكر الإصلاح وكأنه المخلص لهذه الأمة من أمراضها وأوبئتها؟. لا ينكر عاقل أن بلادنا مرت على مدار تاريخها السياسي والاجتماعي والفكري المعاصر بحركات فكرية كان لبعضها صولات وجولات ورجال وفرسان انتشرت لبعض الوقت ثم اضمحلت وتلاشت من الفكر الناصري، للقومي، لليساري، للحركي، للتكفيري، للتنويري، للإخواني، للتغريبي، ممن تؤطر نفسها بأطر تقليدية، أو حزبية أو فكرية أو مناطقية وغيرها كثير. وفي هذه الأيام نشاهد بعض من يسمون أنفسهم بالإصلاحيين والمراد الحرفي لها الراغبون في إصلاح المجتمع وإعادته لجادة الصواب، ولا أعرف شخصيا مع اعترافي بضعفي في ذلك، ذلك الخلل والضعف الذي يواجهه مجتمعنا حتى ينبري عدد من دعاة الإصلاح لإنقاذنا من هذه الهوة السحيقة التي تكاد تبتلعنا جميعا لولا لطف الله بنا بهذه الفئة المختارة لإنقاذ من تستطيع إنقاذه منا. لقد أصبح الفكر الإصلاحي كما يحب أهله ومريدوه أن يطلقوا على أنفسهم دعاة للحق ورفع الظلم ونصرة الضعيف وغيرها من الأوصاف الرنانة التي قد تنطلي على ضعاف النفوس والعقول، بل وغرقوا في استخدام وسائل الاتصال الحديثة من فيسبوك وتويتر وغيرها التي أصبحت ملعبا ومرتعا لهم بكل حرية واقتدار، بل وأصبح الواحد منهم يقيس قدرته وتأثيره على عدد المتابعين والمتأثرين بفكره وأطروحاته الفكرية بتلك الوسائل المختلة. لقد أغرق هؤلاء القوم دعاة الإصلاح فعلا أنفسهم في الفلسفة الفكرية النقدية حتى أصبحت دعواهم خالية من المضمون الفكري النير مفتقرة لأبسط أبجديات التحليل العلمي بما فيها من الافتتان بما يسمى المجتمع المدني الذي جعلوا منه المدينة الفاضلة التي يحلمون بها ويعيشون رغم اختلاف مشاربهم وأفكارهم متعاونين في سبيل إقامتها! (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى)، مع أن فكرة الإصلاح والمجتمع المدني فكرة بعيدة كل البعد عن فكرنا الإسلامي النير والمشرق حيث إن هذا المجتمع المدني كما يوصف ويعرف من قبل دعاة الإصلاح، عبارة عن مجتمع علماني دنيوي -باعتراف دعاته- لا تحكمه شريعة الله -عز وجل- مهما حاول المرقعون أن يُجروا له من عمليات تجميل لتغير من شكله القبيح، مجتمع يعيش فيه الموحدون والزنادقة والكفار جنبًا إلى جنب دون فوارق بينهم، همهم أن يأكلوا ويشربوا ويتمتعوا؛ ليعمروا دنياهم -زعموا- بخراب دينهم، ومناقضة أحكامه. ودعاة الإصلاح يحاولون جاهدين أن يغلفوا فسادهم وباطلهم بهذا الوصف الجميل (الإصلاح) بغية تضليل الناس وحرفهم إلى مضمونه الفاسد مع العلم بأن تجارتهم في تسويق ما يسمي بالإصلاح أصبحت تجارة كاسدة فاسدة عرف الناس فساد فكر أهلها وأن هدفهم السلطة ليس أكثر، وللأسف فإن بعض المخادعين لا يزالون يُطلقون هذا الوصف الجميل على أنفسهم كذباً وزوراً. وقد رأينا جميعًا كيف يصور بعض ضعاف النفوس والعقول بتلك الصورة الإصلاحية الجميلة، ولكن من علم أفكارهم وأهدافهم علم أنهم خلاف ذلك. ويتضاعف الأسف عندما ينساق بعض الطيبين -من الأشخاص أو المواقع أو الهيئات- خلف هؤلاء مروجين لهم ولقضيتهم ولمواقعهم وتغريداتهم بصورة المظلوم الباحث عن الحق، وينسي أنهم ذئاب لبست جلد الحملان. لقد أصبح أكبر هم القوم التسويق للذات والبحث عن مزيد من الشهرة ونقاط القوة وأطماع في المستقبل السياسي والاجتماعي للبلد، حتى غدا جل مطلبهم أن يعين أحدهم وينصب «رمزا»، و«وصيا» ذا حظوة حتى يهدئ الشارع والمجتمع الذي في زعمهم وأحلامهم أنه في حالة ثورة وغليان وينتظر المخلص من بينهم وهذه أحلامهم التي عبثا صنعوها في مخيلاتهم المريضة وصدقها بعض المغفلين منهم سلاحهم الفتاك في ذلك الملايين من التغريدات ورسائل التواصل بينهم ومريديهم لنشر ثقافتهم الحمقاء في أقل ما يقال عنها، ويخفون في الباطن شرا مستطيرا على العباد والبلاد من فتن وقلاقل وانعدام أمن وفوضي وأصبح أحدهم يتقلب كل يوم له رأي ومنهج وفكر وفلسفة والهدف الواضح أن المسألة كسب مزيد من الأتباع وإقناع مزيد من القطيع، وانتظار واقتناص الفرص السانحة للتحرك. الإصلاحيون بجدالهم يحاولون حل الأزمة، والأزمة في تصور عدد من الإصلاحيين هي أزمة عدالة اجتماعية، والحل لها بطبيعة الحال يكمن في العدالة الاجتماعية، أو ما يسمونه مؤسسات المجتمع المدني على غرار تلك الموجودة في أوروبا، ومحور هذا الفكر الاجتماعي يشبه إلى حد كبير محور الفكر الاشتراكي في جانبه الاجتماعي، و الليبرالي في جانبه السياسي، أو الفلسفي أو العلماني فهم يحاولون تطبيق هذه الإيديولوجية على الواقع الإسلامي. والأجدر أن يسمّوا ما يحملونه من رؤى وأطروحات فكرا وليس علما، لأنه مجموعات أطروحات عامة ومطلقة لا ترجع إلى تأصيل علمي وحوصلة منهجية، والأجدر أن نسميه تأملات فكرية، حيث إن الإشكالات التي يطرحونها إشكالات لا علاقة لها بموضوع الدين، لأنهم يريدون الوصول إلى الفكرة السياسية المرتبطة إلى حد ما بالواقع الاجتماعي ولكنهم يتخذون لذلك الدين مطية إلى هذا الغرض، ولو أرادنا إرجاع فكرهم إلى التعبير الفلسفي لقلنا إنها الإيديولوجية في التعبير الماركسي أي هي الأفكار المتولدة من وقائع اجتماعية و اقتصادية دون الشعور بذلك ثم اعتبار ذلك نوعا من التحليل العلمي. وعندما يريدون طرح رؤاهم الفاسدة على مجتمعنا يستغلون واحدة من أهم الخصائص الديموغرافية للمجتمع السعودي ويخدمهم هنا أن السعودية من أكثر الدول العربية حضانة للتقنية، وشبابها الذين يمثلون نسبة تصل إلى 60 % من السكان للفئة ما دون الثلاثين سنة، يعتبرون أيضا من أكثر المستخدمين لهذه التقنية بصورها المختلفة. ويقدر أن عدد مستخدمي فيسبوك في السعودية تجاوز الثلاثة ملايين مستخدم، وأن 75% منهم بين سن 15و29، في ظل أن عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة حالياً يقدر بنحو 13 مليون مستخدم والحال هي نفسها إن لم تزد في التويتر من الانتشار والشعبية إذ يصل مستخدموها للملايين من السعوديين. وهذا يمثل مناخا خصبا ومرتعا مربحا وملعبا لهم لنشر ما يرغبون في نشره من فكرهم الوضيع والرخيص خاصة بين شباب وطني.