فرضت سلطات أميركية وبريطانية غرامات مالية ضخمة بلغت قيمتها 5.7 مليار دولار على ستة بنوك دولية حاولت التلاعب بأسعار الصرف الأجنبي. تأتي هذه الغرامات في ثاني موجة عقوبات تفرضها سلطات دولية على مؤسسات مالية لم تفلح في منع متعامليها بسوق الصرف من تقاسم معلومات سرية عن أوامر العملاء وتنسيق التداولات بهدف زيادة أرباحهم خلال الفترة الممتدة بين 2007 و 2013 لتصل قيمة الغرامات الإجمالية عشرة مليارات دولار. وأقرّت أربعة بنوك كبرى تشمل «باركليز» و«رويال بنك أوف اسكوتلند» و«سيتي غروب» و«جي بي مورغان»، أمس، بمحاولتها التلاعب بأسعار سوق العملة التي تبلغ قيمة معاملاتها اليومية خمسة تريليونات دولار. وأكد مصدر مطّلع لـ«الشرق الأوسط» أن هذا النوع من التجاوزات في الأوساط المصرفية قد يؤدي إلى تشديد مراقبة الخدمات المالية على المؤسسات المالية الضخمة وفي قاعات التداول، فضلا عن تقييد محكم لأسواق العملة غير الخاضعة لرقابة كبيرة. كما حذّر من تداعيات هذه الانتهاكات على استقرار أسواق أسعار الصرف الأجنبي وفي أوساط المستثمرين التي قد تؤدي إلى عرقلة برامج الانتعاش الاقتصادي والاستقرار المالي المعتمدة في أوروبا وأميركا. وتزعم السلطات الأميركية وسلطة المراقبة المالية البريطانية أن موظفين في قاعات تداول «سيتي غروب» و«جي بي مورغان» و«باركليز» و«رويال بنك أوف اسكوتلند»، أنشأوا غرفة دردشة إلكترونية خاصة تعتمد على لغة سرية ولا تسمح لغير المدعوين بالدخول بهدف التلاعب بأسعار الدولار الأميركي واليورو، خلال الفترة الممتدة بين ديسمبر (كانون الأول) 2007 ويناير (كانون الثاني) 2013. وتقول جورجينا فيليبينو، المديرة التنفيذية لقسم مراقبة الأسواق المالية في «سلطة المراقبة المالية» البريطانية، في تعليق عن غرامة «باركليز» إن «هذا مثال آخر لمؤسسة تسمح لممارسات غير مشروعة بالازدهار في قاعة التداول». وتضيف: «لم تخذل (باركليز) سمعتها في السوق عبر وضع مصالحها قبل مصالح عملائها فحسب، بل أساءت إلى سمعة ونزاهة النظام المالي البريطاني ككل». وفرضت «سلطة المراقبة المالية» أعلى غرامة في تاريخها بقيمة 284 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 440 مليون دولار) على «باركليز»، بالإضافة إلى أربع هيئات تنظيمية أخرى ليصل مجموع الغرامات المالية على البنك البريطاني إلى نحو 1.5 مليار جنيه إسترليني (أي حولي 2.4 مليار دولار). وتعدّ العقوبات بحق «باركليز» الأعلى حتى الآن، باعتبار أنه لم يحظَ بنفس شروط تسوية سابقة جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع السلطات البريطانية وبعض السلطات الأميركية التي جاءت في إطار فرض الهيئات التنظيمية عقوبات أولية على البنوك لتلاعبها بمؤشر «الليبور»، وهو سعر الفائدة المعروض بين بنوك لندن. وأشار مراقب الخدمات المالية في نيويورك، بنجامين لوسكي، إلى أن التحقيق لا يزال جاريا بشأن استخدام «باركليز» لأنظمة إلكترونية شائكة في تعاملات الصرف الأجنبي التي تشكل معظم معاملات السوق. ويقول المراقب إن «موظفي (باركليز) ساعدوا في التلاعب بسوق الصرف الأجنبي وانخرطوا في مقامرة صفيقة لسرقة عملائهم. وتتعلق إجراءات اليوم بمخالفات في التداولات الفورية ولا يزال هناك عمل ينبغي القيام به للكشف عن باقي التجاوزات». من جهة أخرى، أدين بنك «يو بي إس» السويسري في قضية الاحتيال الإلكتروني وسيدفع بموجبها غرامة 203 ملايين دولار عن دوره في التلاعب في الليبور. وكان أكبر بنك سويسري قد اضطر إلى دفع 342 مليون دولار إلى البنك المركزي الأميركي لمحاولته التلاعب في أسعار الصرف الأجنبي. وساهمت غرامة «يو بي إس» المنخفضة نسبيا في دعم أسهمه التي ارتفعت بأكثر من 3 في المائة إلى أعلى مستوى لها في ست سنوات ونصف. ومن جانب آخر، أيّد البرلمان الأوروبي أول من أمس خططا تهدف إلى تحسين عملية الإشراف على المؤشرات والأسس الاسترشادية المالية في أعقاب فضيحة تزوير معدلات فوائد مؤشر «الليبور». ويأمل نواب البرلمان أن يتم الانتهاء من المعايير الجديدة بحلول نهاية العام الحالي. وتعدّ المؤشرات والأسس الاسترشادية المالية، التي تشمل مؤشرات بارزة مثل «الليبور» و«يوريبور» إلى جانب المؤشرات التي تنظم عمليات بيع الكاكاو والزيوت، مؤشرات أساسية للأدوات والعقود المالية التي تبلغ قيمتها أكثر من ألف تريليون يورو (1150 تريليون دولار) وفقا لبعض التقديرات الحديثة.