صدقية أي اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، رهن الصورة التي ستجلو عليها إيـران حين انقضاء مدة الاتفاق وبند «سانست» (الغروب، ويقصد به في هذا السياق الرقابة والقيود على البرنامج النووي). ومؤيدو الاتفاق يقولون إن إيران معتدلة و «حميدة» ستبرز من غير شك حينها. ولكن انتظـــار رجحان كفة الاعتدال الإيراني ضعيف الصلة بالواقع، وهو لا محالة سيتبدد فـــي تنــاقضات السلك الديني - السياسي الإيــراني. ولا يخشى مــــن بروز إيران أكثر تشدداً فحسب، بل يــــرجح ظهور نظام يمــــسك بمقاليد بنية تحـــتية نووية ضخمة صنــاعية الحجم والمـــستوى. وآية الله علــي خامنئي يميل الى تيار المـــراجعين فـــي نظامه. والثورة الإيرانية لا تلتزم حــــدوداً (الدول)، ولن تبقى وراء الحدود الإيـــرانية. وليس شاغل خامنئي إرساء دولة مزهرة تدحض مزاعمه الأيديولوجية. وإثر الانتخابات الرئاسية في 2009 - وكثر اعتبروا أن نتائجها مزورة - باغت طهران اندلاع موجة عارمة من الاستياء الشعبي وتذرر النخب وانقسامها. فخروج برنامج إيران النووي عن المعايير الدولية، أدى الى فرض عقوبات قاسية عليها وأزمة اقتصادية عارمة. وخامنـــئي متابع نبيه لدروس التاريخ، وهو قوّم سقوط المـــرازبة (الحكّام) الشيوعيين في شرق أوروبا، ولاحظ كيف قوض الضغط المالي المديد أسس الجمهوريات السوفياتية. واعتبر بما جرى واستخلص الدروس: حاجة النظام الى اتفاق رقابة على السلاح يحفظ الجهاز النووي ويرفع العقوبات الساحقة. ويرفض المرشد الأعلى الإيراني عمليات التفتيش المفاجئة التي تقطع سير العمل، والتي تتذرع بالتفتيش «للتسلل الى القطاع الأمني والدفاعي في الدولة الإيرانية». والى اليوم، يخدم معتدلون من أمثال الرئيس حسن روحاني ومساعديه، أهداف خامنئي. فهم واجهة جذابة للجمهورية الإسلامية تخرج صورتها على أنها براغماتية ومنطقية. ولكن المعتدلين الإيرانيين هم، اليوم، في السلطة لإبرام اتفاق نووي. والحاجة إليهم تنتفي حين يبرم مثل هذا الاتفاق. ولم يخف المرشد الأعلى أن المتطرفين ليسوا المحاورين الأمثل للقوى الغربية. وإثر إبرام اتفاق، ستتعاظم حاجة خامنئي الى المتطرفين لحماية جمهوريته. ويرجح أن الاتفاق لا يبشر ببزوغ عهد الاعتدال، بل ينبئ بانعطاف رجعي حاد في السياسة الداخلية الإيرانية. ومعالم الاتفاق الرئيسية واضحة: إيران تحتفظ بالشطر الأعظم من بنيتها النووية، وإثر نفاد مدة بند «سانست» (الغروب) النووي، تطلق يدها في استئناف نشاطاتها. ولكن، هل سيمتنع حكامها المتشدّدون من الانسياق وراء الشهوة النووية؟ والدروس المستقاة من نموذج كوريا الشمالية مفيدة، وتشير الى المنحى الذي تتّجه إليه إيران. ولا شك في أن حيازة أسلحة نووية ساهمت في بقاء سلالة كيم في الحكم. وفي كل مرة يموت قيادي من هذه السلالة، يأمل المجتمع الدولي في انتقال سلس للسلطة مخافة انفراط عقد الرقابة المركزية على الترسانة النووية في كوريا الشمالية. والى اليوم، لا تتوقف القوى الأجنبية عن مدّها بالوقود والغذاء - وهما شريان حياة الجمهورية التي تخرج على المعايير الــدولية – على أمل أن تبقى مستقرة. وفي وســـع إيران، الدولة التي بلغت العتبة النووية، التعويل على مـــثل هذا الحلم أو التسامح. وسواء حازت قنبلة نووية أم لا، يرجّح أن يشغل القوى الكبرى، على نحو ما هو شاغلهــــا في كوريا الشمالية، استقرارها ومآل شـــبكتها النووية. ولن تستقبل القوى هذه أي حركة ديموقـــراطية إيرانية بغير التحفّظ والحذر واللامبالاة. ونجاح الاتفاق هو رهن وقفه الدائم لانتشار التكنولوجية الخطيرة، وقدرته على نفخ حس المسؤولية في قادة لطالما غلب على سياساتهم التهور، وترجيح كفة القوى الإيرانية التي ترغب في انفتاح بلادها على العالم. وتغيـــب المؤشرات الى أن الاتفاق المرتقب سيحقق هذه الإنجازات. واتفاق مدته محددة ويرسي أسس انتقال قدرات التخصيب النووي الإيرانية الى مرحلة صناعية، يجعل طهران على قاب قوسين من القنبلة.