هذه المنطقة لن تستقر قبل أن تستقر إيران. وإيران لن تستقر قبل أن تدرك أن هذا العصر لم يعد يحتمل سلوك الثورات أو الإمبراطوريات. ونظرة على كوبا بعد خمسة عقود من محاولات تغيير العالم، قد تفيد طهران وتفيدنا جميعًا، وتخفض مرحلة العبث وتكاليف التخيلات ودماء الأبرياء. تجرب إيران أحلامها فينا وفي شعبها. مرة محمد خاتمي وابتسامته وانفتاحه ومؤلفاته الفكرية، ومرة محمود أحمدي نجاد وسترته الطويلة ورحلاته إلى الملاذ الآمن الوحيد، فنزويلا هوغو شافيز. كل ذلك مضى. لا مكان لخلف شافيز في المصالحة بين أوباما وراؤول كاسترو. ولذلك، فهو يبحث عن سعر مناسب لبرميل النفط وليس عن خطاب «تاريخي» لفيدل كاسترو أو تشي غيفارا. ذكريات جميلة وملصقات سارة وخواء تام. كوبا «أنقى» الماركسيين في التاريخ، لكنها تعقد المصالحة مع أميركا، فيما راتب الطبيب في هافانا 30 دولارا في الشهر، وفي فلوريدا (على بعد 75 ميلا) قد يصل إلى 30 ألفًا، أيضًا في الشهر. وكل مائة عامل أو كادح كوبي من منتصري الثورة، لا يجمعون راتب ربع عامل في سنغافورة. وسنغافورة هي البلد الذي تخلّى زعيمه الماركسي لي كوان يو عن تعاليم ماركس ليضمن لشعبه دخلاً يبلغ 54 ألف دولار في العام، فيما استمر فيدل كاسترو يمد شعبه بأقوال لينين. ليس خطأ ولا جريمة الوقوف إلى جانب العمال والفلاحين والفقراء. ولم يكن خطأ خلع ديكتاتور مهترئ يدعى باتيستا. وأما تشي غيفارا، فلا يزال إلى اليوم يسحر الناس بنقائه وتقشُّفه وصدقه. لكن نقيًا واحدًا لا يكفي، ولا يغطي على خطف الحريات، وتعميم الفقر، وتشريع حياة القلة، وإلغاء الفرد، وعبادة مخلوق واحد هو الدكتور فيدل. عندما يقول الدكتور حسن روحاني إنه كان على زعماء الخليج أن يذهبوا إلى «معسكر محمد» بدل «كامب ديفيد»، فكم هو على حق. ليته تمعن قليلاً في من أرسلهم إلى كامب ديفيد، وإذا كان لذلك علاقة بحرائق لم تهدأ من البحرين إلى اليمن. وكم هو عدل قول بيان إيراني في بيروت إن الحوثيين يطالبون «بالشراكة» في حكم اليمن، فهل الشراكة السطو على البنك المركزي وحجز الرئيس وسجن حكومته واحتلال تعز والحديدة وإكمال الزحف على عدن؟ عندما تستقر إيران في شكل دولة جارة تحترم القوانين والجوار وخيارات الشعوب وكرامات الدول وسيادة الأمم وتعريف المبادئ وأرزاق البشر وحياتهم، سوف تعرف المنطقة أيضًا الاستقرار. لكن حتى ذلك الوقت البعيد، سوف يحارب حزب الله عن مرقد السيدة زينب في حلب وجسر الشغور. وسوف يقاتل قاسم سليماني على استقلال العراق في الأنبار. وسوف تمتلئ المنطقة ركامًا وخرابًا وعويلاً، ويكون الدور الإيراني نقيًا شريفًا وإنسانيًا بلا حدود. ويكون تفاوض إيران مع أميركا عملاً مقدساً وتفاوض العرب معها خيانة. لا أقل.