×
محافظة المنطقة الشرقية

حفل كبير لاستقبال الطلاب المشاركين في "إنتل آيسف"

صورة الخبر

بقلم : سعود كابلي مكتب الوطن سفراء كلما خففت وزارة التعليم من مركزيتها الإدارية كلما فتحت المجال لتطور التعليم، وإذا أعطيت المناطق مساحة أكبر في تحديد أولوياتها التعليمية فإن العملية التعليمية ستصبح نابعة من حاجة كل بيئة ومنطقة بدلا من التخطيط المركزي الذي أثبت عدم نجاعته  بعيدا عن جملة التحديات الأمنية والسياسية التي نواجهها اليوم قد لا يكون من المبالغة اعتبار وزارة التعليم في المملكة أهم وزارة إذا قيس الأمر من جهة أهميتها الاستراتيجية لحاضر ومستقبل الدولة. وزارة التعليم وبالأخص بعد ضم شقيها: التعليم العالي والتربية والتعليم تعد أكبر وزارة في المملكة من جهة حجم العاملين، إذ يعمل بها حوالي 50% من موظفي الدولة البالغ عددهم ما يقارب المليون موظف، وتؤثر في مستقبل حوالي 5 ملايين طالب في المدارس و 1.3 مليون طالب في الجامعات، عدا ما يتجاوز 150 ألف طالب مبتعث، كما أن قطاع التعليم استأثر بحوالي 25% من ميزانية الدولة على مدى الفترة من 2004 إلى 2014، وهو ما يوازي ميزانيات بعض الدول العربية كاملة. تحدي تطوير التعليم ليس يسيرا سواء من الناحية الإدارية أو الفنية في وزارة تشهد من جهة تضخم وتشعب بيروقراطيتها بشكل كبير، ومن جهة أخرى التجاذبات الأيديولوجية التي تعاني منها كونها في قلب الاختلاف المجتمعي المتمثل في تباين الرؤى بين أطياف المجتمع الرئيسة. شهد قطاع التعليم كثيرا من الخطوات خلال الأعوام الماضية سواء مشروع الابتعاث أو مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام أو مشروع إنشاء شركة تطوير التعليم وغيرها من المشاريع، على أن كل تلك المبادرات لم تتعلق بتطوير الوزارة نفسها، وتعد خطوة الملك سلمان بضم الوزارتين في وزارة واحدة أول خطوة تصحيحية في هذا المجال، تمنع ازدواجية العمل وتربط جهود التعليم في بوتقة واحدة. تطوير عمل الوزارة سيتطلب على الأغلب تجاوز الكثير من الأسس السابقة التي طبعت منظومة عملها خلال العقود الماضية وكذلك رؤيتها الاستراتيجية نحو نظام التعليم بشكل عام، ولعل دمج الوزارتين يشجع على إعادة طرح بعض الأفكار حول تطوير التعليم في المملكة: أولا: تعديل هرم التعليم المقلوب.. فلا يمكن المضي في عملية تعليمية حديثة تناسب القرن الحادي والعشرين ونحن لا نزال نجرجر أذيال أنظمة قديمة تقسم مراحل التعليم إلى ابتدائية ومتوسطة وثانوية، بل لا يزال النظام في الثانوية العامة يتمشى بمعيار قسمي العلمي والأدبي. إن تقسيم مراحل التعليم كما هو معمول به اليوم تم استيراده من مصر عندما بدأنا بناء نظامنا التعليمي، وهو نظام كان له هدف موضوعي عند ابتداعه نظرا لانتشار الأمية والحاجة لإيجاد شهادات متدنية ومرحلية لسوق العمل، وهذه نقطة مهمة في مسألة تطوير التعليم حيث لا بد من ارتباطه بحاجة سوق العمل والاقتصاد، لا يوجد نظام تعليمي في العالم غرضه الأساس هو تخريج علماء، فالموهوبون استثناء يجب أن يكون لهم تعامل خاص خارج نظام التعليم العام. أنظمة التعليم الحديثة حول العالم على اختلافاتها تجتمع على قاسم مشترك يتمثل في النظر للتعليم ما قبل الجامعي كمرحلة دراسية واحدة غرضها الأساس تزويد الطلاب بالعلوم والمعارف الأساسية التي تمكنهم من دخول سوق العمل عقب التخرج من المرحلة الثانوية. هذا الأمر سيتطلب إعادة نظر للمناهج -وهو مطلب قديم- لكن الأهم النظر للمرحلة الثانوية كمرحلة تحضير لسوق العمل بحيث تصبح الثانوية العامة وما يليها من دبلومات متخصصة سواء إدارية أو فنية في المعاهد هي الركيزة الأساسية. في 2011 على سبيل المثال، كانت نسبة خريجي الجامعات السعودية في التخصصات الشرعية والإنسانية والاجتماعية أكثر من 80%، بينما نسبة خريجي التخصصات في المجال الصحي 2% والعلوم الطبيعية 6.4% والهندسة 2.7% والسياحة والفندقة 0.8% فقط. ولذلك ليس من المستغرب ما ذكره أستاذ الاقتصاد الأميركي روبرت لووني من أن 90% من السجناء في المملكة يحملون شهادات جامعية، فسوق العمل بات يتطلب نوعا مختلفا من التعليم الذي يتناسب معه. حوالي 87% من الطلاب السعوديون يلتحقون بالجامعات بينما 9% فقط بالمعاهد الفنية والتقنية، في حين أن نسبة الطلاب الملتحقين بهذه المعاهد في كل من سنغافورة وفنلندا يصل إلى 60%. في المقابل فإن 40% فقط ينجحون في التخرج من الجامعات لدينا بالمقارنة مع 70% في ألمانيا، وتنفق المملكة على التعليم العالي 8 أضعاف ما تنفقه على التعليم الفني والتقني بينما تنفق دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في المتوسط ضعفين فقط. تعديل الهرم المقلوب للتعليم سيتطلب تعديل العرض والطلب الخاص بالتعليم الجامعي من خلال إلغاء المكافأة الجامعية للطلاب وربطها بالأداء الدراسي، وزيادة المكافأة المالية لطلاب المعاهد لخلق حافز لدخولهم لها، فيصبح نظام التعليم الجامعي أقرب للنظم الغربية التي تجعل التعليم الجامعي غير مجاني ومرتبطا بأنظمة المنح الدراسية التي تقدمها الحكومة للراغبين بحسب توفقهم الدراسي. هذا الأمر سيجعل المعاهد الفنية والتقنية والإدارية ركيزة التعليم الأساسية، وبتركيز الاستثمار فيها لرفع جودتها التعليمية يمكن للدولة أن تضمن نتائج أفضل لإنفاقها وبما ينعكس بأداء أفضل لسوق العمل من خلال توظيف أكبر للشباب، ولا يمنع أن توفر الدولة حوافز مالية لحديثي التخرج من تلك المعاهد مقابل ما ستوفره من هدر على عملية تعليمية طويلة تنتهي ببطالة. ومن جهة أخرى لابد من إعادة دمج التعليم الفني والمهني ضمن نظام التعليم ووزارته بحيث يتسق هذا التعليم مع مراحل التعليم كافة وكبديل للتعليم الجامعي وليس مجرد نظام تعليم بديل للبطالة أو للفاشلين دراسيا كما هو سائد –للأسف– في الانطباع الشعبي العام. ثانيا: اللامركزية في العملية التعليمية.. وزارة التعليم ورغم تضخمها البيروقراطي الهائل كانت تصر على أن تكون من يذبح ويطبخ ويأكل غير تاركة أي مجال لتطور العملية التعليمية خارج سياقها، وهو سياق ترهل إداريا ومنهجيا، بينما أثبتت تجارب كثير من الدول أن مجالات الإبداع خارج الحكومة أكبر وأسرع. قد يكون من المفيد لتطوير العملية التعليمية في المملكة بأن تبدأ الوزارة بتخفيف استحواذها الإداري والتركيز أكثر على العملية الإشرافية العامة مع تبسيط الإجراءات وتعديل القوانين. فالوزارة لا تزال تسيطر بشكل كبير على صياغة المناهج التعليمية التي أثبتت انفصالها عن رفد حاجات سوق العمل أو العصر الحديث. لن يكون سهلا فتح آفاق تطوير التعليم دون فتح المجال للإبداع، بإعطاء المساحة للراغبين في إنشاء المدارس وأن يضعوا المناهج التي يرونها أفضل، و،ن يفتح باب المنافسة في هذا المجال، فينتج عن المنافسة –كأي منافسة في سوق حرة– تقديم المنتج الأفضل. فكلما خففت الوزارة من مركزيتها الإدارية كلما فتحت المجال لأن يتطور التعليم، وإذا أعطيت المناطق مساحة أكبر في تحديد أولوياتها التعليمية فإن العملية التعليمية ستصبح نابعة من حاجة كل بيئة ومنطقة بدلا من التخطيط المركزي الذي أثبت عدم نجاعته، فيمكن لمنطقة زراعية على سبيل المثال التركيز على إنشاء معاهد زراعية تخدم سكانها، وسيصبح الإشراف على تلك العملية التعليمية نابعا من المنطقة بدلا من المركزية البيروقراطية التي لا ترى سوى الأوراق والمعاملات. تحول وزارة التعليم من وزارة إدارية في الصغيرة والكبيرة إلى وزارة إشرافية سيعني تحررها من كثير من الأغلال التي أضرت بالعملية التعليمية في السابق وخنقت إمكانية تطويرها من أجل مستقبل الدولة والمواطن.