في الزمن القديم حين كان الشعر سيد الأقوال، كان الناس يهابون الشعراء ويحرصون على تحاشي إغضابهم خشية أن ينالهم شيء من هجائهم، خاصة متى كانوا من الشعراء السليطين والمجيدين الذين تسري أبياتهم كالسيل مسرعة إلى أذن كل أحد. في هذا الزمن بعد أن سقطت دولة الشعر، ونابت عنها في حمل راية الهجاء صفحات تويتر والفيس بوك وأخواتها، التفت المتخاصمون إلى النثر يشحذون أصابعهم لخط ما يغيظ ويفتك من الكلمات، صار بعض الكتاب يوظفون مهاراتهم الكتابية في الهجوم اللفظي على من يكرهون، فيتخذون من الكتابة سلاحا يشهرونه في وجه أعاديهم. انحدار بغيض بوظيفة الكتابة، جعلها تتدحرج من علياء الخيال والجمال، والفكر والتأمل، إلى هاوية الشتائم والسخرية والشماتة، أو أبعد من ذلك، إلى التحريض على العنف والإيذاء والقتل !! في العصر الجاهلي وبدايات الإسلام، كانت الكتابة النثرية متوارية لا ظهور لها أمام الشعر المسيطر على ساحة الخطاب، لكنها في العصور التالية ما لبثت أن ازدهرت، عندما انبثق الكتاب ذوو الألسنة الحداد وشاعت وظيفة كاتب في دواوين الخلافة فصار الكتاب ينافسون الشعراء بقوة تأثير أقلامهم حتى باتت الكتابة سلاحا فاتكا يصول ويجول في ميادين القتال، بل صارت أشد مضاء من السيوف في هزيمة الأعداء ودحرهم بسم الكلمات، كقول أحدهم: ولـضربة من كــاتب ببنانه،،، أمضى وأبلغ من دقيق حسام قوم إذا عزموا عداوة حاسد،،، سفـكوا الدمــا بأسنة الأقــلام أو كقول الآخر: قوم إذا أخذوا الأقلام من غضب،، ثم استمدوا بها ماء المنيات نالوا بها من أعاديهم وإن كثروا،،، ما لا ينال بحد المشرفيات الكتابة فن، مثلها مثل غيرها من الفنون يمكن توظيفها لما هي له من التعبير عن صور الجمال والسمو الفكري، ويمكن الانحدار بها إلى حضيض من البذاءة اللفظية والتدني الأخلاقي، وهذه الأبيات وأمثالها تؤكد لنا ما وصل إليه حال الكتاب، حيث أضحت الكتابة المسفة مطلبا للنيل من العدو، وصارت سلاطة اللسان والتفوق في صنوف البذاءة اللفظية قيما عليا يفخر بها الناس.!! الكتابة موهبة تحمل بذرتها جينات الانسان، ويمكن لها أن تزدهر بالتدريب والتمرين أو تنطمر وتقمع بالإهمال والغفلة. لكنها أيضا كبقية المواهب يمكن توظيفها لخدمة الخير والحق، أو استغلالها في خدمة الشيطان!!.