في المقالين السابقين "إلى متى تبقى المطلقة ضحية في أنظمتنا؟" و"المرأة المعلقة والخلع.. هل هو حق أم عقاب لها؟" تناولت قضايا تتصل بالأنظمة التي تتعلق بالمرأة المطلقة والظروف المختلفة التي ترتبط بذلك. وهناك ذكرت الإشكالية القائمة بين الحكمة الدينية من تشريع الأحكام، وبين التطبيق الذي قد يقتصر على التفسير الحرفي الذي تضيع معه الحكمة الكامنة، ويصل بنا إلى حالة الظلم التي تقع على المرأة بشكل منهجي ينبني من جانب على تفسيرات شرعية ومن آخر على خلل في أداء القوانين وتنفيذها. واستكمالاً للموضوعين السابقين أرغب هنا في تسليط الضوء على إحدى الإشكاليات المتعلقة بالطلاق والحضانة، وهي قضية السفر. فعلى أرض الواقع نجد أن منع المرأة من امتلاك حق سفر محضونيها يقيد حضانتها وحياتها مع أطفالها وتترتب على ذلك مشكلات تعقد الحياة وتضيّع الفرص وتورث الإحباط وتترك المرأة فريسة سهلة لاستغلال طليقها المعنوي والمادي في قلة حِفلة بنتيجة ذلك على الأطفال، أطفاله. فعلى الرغم من حصولها على حضانتهم، إن حصلت عليها وثائقياً فعلياً، فالأبناء ما يزالون تحت وصاية الأب الذي يستمر في التحكم في مستقبل الأبناء والبنات كلما أتيحت له الفرصة والسانحة. وفي ظل حياة متغيرة وظروف غير تقليدية تتطلب التحرك لمختلف الظروف ربما أهمها السفر لأجل الدراسة والعلاج والزيارة والإجازة، والظروف المختلفة التي تتناول مسألة السفر للدراسة تمثل شكلاً مما ينال المرأة المبتعثة التي تتعرض للطلاق والتي يكون أطفالها صغاراً أو كباراً قد ارتبطوا بدراسة ومناهج وحياة يومية تحتاج لأن تستمر أيضاً وتستقر، فهنا فضلاً عن أن المرأة المبتعثة تُقطع بعثتها عندما تتعرض للطلاق، فإن أطفالها كذلك إن عادوا إلى المملكة فقد حكم عليهم بالسجن داخل الحدود حتى يوافق الطليق، الذي لن يوافق طالما بيده هذا السلاح الذي يستمر في إشهاره على المرأة كلما تمكّن، لاسيما إن كانت هي من طلب الطلاق. فيقضى عليها، في أحيان كثيرة، بالتفريق بينها وبين أطفالها أو نقل الحضانة إلى القاضي ليتولى هو القضاء في كل مرة تريد المرأة السفر فيها مع أطفالها، بسفرها من عدمه، أو أن تقطع دراستها وتعود لتجتر مأساة القضاء على مستقبلها. ويمكن لقصة الابتعاث أن تأخذ صورة أخرى من جانب الأطفال أنفسهم، فهناك الفتيات المعلقات من آبائهن بمنع سفرهن مع أمهن بعد حصولهن على فرص ابتعاث متميزة نظراً لتفوقهن أو لمواهب يتمتعن بها، قاضياً القانون لدينا بتحكيم هؤلاء الآباء في القضاء على مستقبل أبنائهم وبناتهم بإعطائهم هذا الحق الذي نادراً ما يُحسنون استخدامه. وصورة ثانية حين يتواطأ فيها نظامنا مع الرجل في تعزيز عدم الثقة في المرأة/الأم ومعاملتها معاملة السفيه أو القاصر، فلا تقبل أنظمة الابتعاث اعتماد مرافقة الأم لبناتها كمسوغ للموافقة على منحهن البعثة، ما يحرمهن أيضاً من فرص الابتعاث في تمييز واضح تتعرض له المرأة في أنظمتنا. وهناك صور أخرى من التحكم في حياة البشر تظهر في شكل منع السفر مع الأم للعلاج أو زيارة أهل في غربة أو لأي غرض من الأغراض ما يضطر الأم لترك الطفل/ة أو الأطفال مع أقرباء يرعونهم أثناء سفرها ما يحرمهم من الكثير من الفرص الإنسانية والتربوية للتواجد مع أمهاتهم. وصورة أخرى على أقل تقدير، أن يرافق الأطفال أمهاتهم في السفر للإجازة التي تجعل الطفل يشعر فيها بالحرمان الذي يؤثر في النفسيات بما لن يكون في صالح العلاقة بالأب بأي حال من الأحوال على المدى البعيد تربوياً وإنسانياً. وفي كل هذه الظروف فإن ما نشهده في علاقة ما بعد الزوجية، هي حالة من التحكم المتجبر بالمصير والاستمرار في التنكيل بالمطلقة من خلال التحكم في أطفالها استغلالاً للحق الذي يعطيه النظام للأب ليكون هو المتصرف في شأن الأطفال، وكأنه أنجب هؤلاء الأطفال بمفرده دون الأم التي لا دور ولا سلطة لها على أطفالها. والحل لن يكون بأن تتحول النساء ضحايا انتهازية الرجال الذين يحسنون استغلال كل الفجوات القانونية المتوفرة في التنكيل بطليقاتهم وتحقيق الاستفادة القصوى على حسابهن، دون أن يحاسبوا، وإنما بمراجعة قانونية حثيثة لتحقيق مراد الآية الكريمة : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) (البقرة 233). فأين نحن من تطبيق هذه الآية الكريمة في مواد قانونية وشرعية تضمن عدم الضرر؟ وعلى من تقع مسؤولية ترك الضرر قائما ًعلى الأسرة والمرأة والأطفال؟ ألا يعتبر قضاؤنا وأنظمتنا عاجزين عن أن يضعا لهذه الآية الكريمة ترجمة عملية ملزمة وعليها أيضاً محاسبة ومتابعة؟ لقد وضعت في هذه المقالات اليد على عدد من أشكال الخلل المتصلة بالمرأة المطلقة منها الوصاية، والسفر، والحضانة، وقوانين الإسكان والنفقة، وكلها بحاجة إلى مراجعة لتمكين النساء من أنفسهن ومصيرهن ومصائر أبنائهن، ومعاقبة من يعوقهن عن التمتع بالحياة الكريمة التي يتمتع بها هؤلاء من أشباه الرجال. لمراسلة الكاتب: halfassi@alriyadh.net