أفاد تقرير جديد صادر عن مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب أنه في ضوء تواصل الضغوط على الإيرادات والأرباح التشغيلية والعائد على حقوق المساهمين، يتوجب على المصارف الاستثمارية تضييق نطاق تركيزها ليشمل نقاط قوتها، في حين أنه لا مفر من تطوير استراتيجياتها الرقمية. وأصدرت بوسطن كونسلتينج جروب (BCG)، وهي شركة رائدة على مستوى العالم للاستشارات الإدارية تتخصص في مجال استراتيجيات الأعمال، تقريراً جديداً يحمل عنوان "أسواق رأس المال العالمية 2015: التكيف مع التطورات الرقمية". وأفاد التقرير أنه في ضوء التحديات المتواصلة التي يشهدها القطاع خلال العام 2015، يتوجب على المصارف الاستثمارية أن تتخذ إجراءات مبتكرة على عدد من الصعد إذا ما رغبت في أن تواصل نموها مستقبلاً. ويعد هذا التقرير السنوي الرابع التي تجريه بوسطن كونسلتينج جروب حول أسواق رأس المال وشركات الخدمات المصرفية الاستثمارية، حيث يقدم دراسة مفصلة لأبرز تطورات الأسواق، مع التركيز بشكل خاص على تطور التكنولوجيا الرقمية والخطوات التي يتوجب على المصارف الاستثمارية أن تأخذها بعين الاعتبار للتكيف مع التطورات التي يشهدها القطاع. وقال المدير الدولي لقسم أسواق رأس المال في بوسطن كونسلتينج جروب والمؤلف المشارك في إعداد التقرير، فيليب موريل: "لا يمكن للمصارف الاستثمارية أن تواصل تجاهل مزايا عصر تكنولوجيا المعلومات الذي نعيش فيه اليوم، فقد اضطر الكثير من القطاعات إلى تطوير نماذج الأعمال الخاصة به، وقد وصلت موجة التغيير الآن إلى أسواق رأس المال. لقد حان الوقت للتحول إلى النمط الرقمي". الإيرادات ووفقا للتقرير، عاودت الإيرادات الدولية في قطاع أسواق رأس المال والخدمات المصرفية الاستثمارية تقهقرها مجدداً خلال العام 2014 جراء تعرضها للضغوط، متدنية إلى 239 مليار دولار أمريكي، أي بانخفاض قدره 3 مقارنة مع 246 مليار دولار أمريكي خلال العام 2013، و12 مقارنة مع 271 مليار دولار أمريكي في العام 2010. كما شهدت أرقام الدخل الثابت والعملات والسلع، والتي شكلت 55 من إجمالي الإيرادات في العام 2010، نصيبها من معدلات الانخفاض الإجمالية إلى 49 (117 مليار دولار أمريكي في العام 2014). وقد كانت تقلبات الأسواق غير الطبيعية، وانخفاض تدفق سيولة العملاء من الأسباب الرئيسية لضعف الأداء، على الرغم من أن قضايا تختص بهيكلية العمليات ساهمت أيضاً في تردي حالة السوق. علاوة على ذلك، ساهمت اللوائح الجديدة التي تحد من تداول الأصول في تقويض قدرة المصارف الاستثمارية على لعب دور ريادي للسوق خلال السنوات المقبلة، وفي مقدمتها تشريعات فولكر في الولايات المتحدة وقوانين فصل الأصول في المملكة المتحدة. وعلى صعيد أكثر إيجابية، نمت إيرادات الخدمات الاستشارية بنسبة 4 لتصل إلى 62 مليار دولار أمريكي في العام 2014، مدفوعة بشكل رئيسي بإيرادات قوية لعمليات الاندماج والاستحواذ، والتي نمت بنسبة 14 لتبلغ 16.5 مليار دولار أمريكي، وهو أعلى معدل نمو في غضون خمس سنوات. وتتوقع بوسطن كونسلتينج جروب أن يكون العام 2015 عاماً جيداً آخراً في هذا السياق بالنظر إلى الدورات التي تمر بها عادة عمليات الاندماج والاستحواذ، والتي تبلغ فترتها خمس إلى سبع سنوات. العائد على حقوق المساهمين والأرباح التشغيلية واصل العائد على حقوق المساهمين في قطاع أسواق رأس المال والخدمات المصرفية الاستثمارية انخفاضه خلال العام 2014 متدنياً إلى 7، وذلك مقارنة مع نسبة 11 خلال العام 2013 و12 خلال العام 2012. وتتوقع بوسطن كونسلتينج جروب مواصلة الانخفاض ليبلغ العائد على حقوق المساهمين أقل من 10 على مستوى القطاع، ما لم تحدث عملية إعادة هيكلة كبرى. بالإضافة إلى ذلك، بلغت الأرباح التشغيلية أدنى مستوياتها في تاريخ القطاع خلال العام 2014، منخفضة بنسبة 28 مقارنة مع العام 2010 لتصل إلى 68 مليار دولار أمريكي فقط. وقد كانت أسواق رأس المال وأسواق رأس المال المقترض وعمليات الاندماج والاستحواذ هي المجالات الإيجابية الوحيدة على مستوى القطاع، مدعومة بعمليات إصدار قوية بفضل انخفاض أسعار الفائدة. بدورها، شهدت معدلات التداول أكبر مستويات التردي، حيث انخفضت بنسبة 64 تصل إلى نحو 8 مليار دولار أمريكي خلال العام 2014، مقارنة مع 22 مليار دولار أمريكي خلال العام 2012. تحديات رقمية جديدة أشار التقرير إلى أن ميزة امتلاك المعلومات، والتي انفردت بها المصارف الاستثمارية تقليدياً، تتلاشى في ضوء دخول قطاع تكنولوجيا المعلومات مرحلة تطورية جديدة، حيث تساهم التطورات الرقمية في تحويل تدفق المعلومات بعيداً عن هذه المصارف إلى قنوات جديدة. من جهة أخرى، تسمح هذه التطورات أيضاً بتوليد البيانات والتحكم بها من قبل كيانات غير مصرفية. وحري بالذكر أن بعض شركات أسواق رأس المال والخدمات المصرفية الاستثمارية تواكب هذه التغيرات وتتخذ تدابير وقائية لمواصلة البقاء في الطليعة، في حين أن شركات أخرى تحاول التكيف ببطء شديد. وأوضحت مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب أنه يتوجب على المصارف الاستثمارية إجراء مراجعة منهجية لجميع المجالات التي يمكن أن تشهد تحديثاً على صعيد عملياتها التجارية من خلال إدخال تحسينات رقمية، بما في ذلك خفض التكاليف وتحديد التوزيعات بشكل أفضل على نحو يتيح رفع الإيرادات. وسوف تلعب الشراكات دوراً رئيسياً في هذا المجال، حيث يمكن أن تبرم على امتداد سلاسل القيمة. كما تتوفر العديد من الفرص في مجال التجارة الرقمية، على سبيل المثال. ويحتاج قطاع أسواق رأس المال والخدمات المصرفية الاستثمارية أيضاً إلى إعادة تحديد المعايير على صعيد كل من التكاليف والإيرادات من خلال تعهيد العمليات غير الأساسية في مجال عملها إلى أطراف ثالثة، تماماً كما فعلت مصارف خدمات الأفراد منذ سنوات طويلة لإنجاز مهام تحصيل المدفوعات، وبطاقات الائتمان، والقروض. تطورات شاملة على مستوى القطاع أشار التقرير أيضاً أنه لم يعد من الممكن للمصارف الاستثمارية أن تركز على الأفراد بشكل حصري. وفي هذا السياق، يمكنها أن تحافظ على علاقات رئيسية مع بعض العملاء وتعهيد المنتجات غير الأساسية، والمحافظة على مزاياها التنافسية أو ريادتها في منتجات أخرى، ولكن خلاصة القول أن الأيام التي كانت هذه المصارف فيها تتولى الريادة على صعيد منتجات متعددة قد ولت. وأضاف موريل: "من الأفضل للمصارف الاستثمارية في يومنا هذا الاقتصار على بضعة مجالات خدمات ومنتجات يمكنها تصدر الريادة من خلالها، والنجاح في مجالات إلكترونية جديدة غير مسبوقة. وإلا فستضطر للمنافسة في العديد من المجالات، بالتالي لن تحصل سوى على حصص ضئيلة خاسرة من الأسواق".