×
محافظة المنطقة الشرقية

حرية الضمير بين الإطلاق والتقييد

صورة الخبر

لندن: «الشرق الأوسط» كل نداءات الاستغاثة التي أطلقها ويطلقها السوريون لم تنجح في فك الحصار المفروض على المناطق المحاصرة في ريف دمشق، وما زال السكان العالقون في عدة مناطق أحياء جنوب العاصمة وفي الغوطة الشرقية يعانون من الجوع الشديد، وكل يوم تسجل حالات وفيات بين الأطفال نتيجة سوء التغذية. ويوم أمس توفيت طفلة مخيم اليرموك عاشت ليومين فقط، لعدم وجود حاضنة أطفال وعدم توفر الدواء والحليب. كما نشرت صورة لطفل في مشفى ميداني في بلدة يلدا لطفل عمره خمس سنوات يعاني من سوء تغذية شديد إذ بدا كهيكل عظمي. وبحسب ناشطون في مخيم اليرموك بجنوب دمشق فإن قوات النظام صعدت حملتها «الجوع أو الركوع» في تلك المناطق بهدف إخضاع السكان في تلك المناطق لتسليم أبنائهم من الملتحقين بكتائب «الجيش السوري الحر» المعارض. ومع تفاقم الجوع يعلق جنود النظام ربطات خبز على الحواجز على مدخل مخيم اليرموك على مرأى من السكان العابرين بهدف «الاستفزاز والإهانة»، بحسب شهود عيان. ويقول ناشط فلسطيني سوري في صفوف «الثوار السوريين»: «في الأسبوع الماضي سمح أحد الحواجز لبعض سكان المخيم بالخروج إلى حي الزاهرة لشراء الخبز، وسمحوا لكل عائلة بشراء رابطة خبز واحدة، وعند عودتهم أخذوا منهم الخبز وكوموه على الرصيف، واشترطوا على كل شخص كي يسمح له بإدخال الرابطة التي اشتراها أن يعوي كالكلب أمام الحاجز». ويتابع الناشط: «وقف الجميع وكان معظمهم نساء وشيوخ مذهولين أمام هذا الإذلال والإهانة، وقبل أحد الواقفين وكان شيخا مسنا بالشرط وراح يصدر صوت عواء مجروح مشوب بالبكاء وبعد أن انتهى قال الجندي لرفيقه اعط الخبز لهذا الكلب». ويشير الناشط إلى أن الرجل المسن الذي قبل بالإهانة كان ينتظره في المنزل خمسة أطفال من أحفاده يتمتهم الحرب. وبث مكتب جنوب دمشق الإعلام أول صور لعملية طهو قطط مذبوحة في المخيم، ويظهر فيها رجل يضع قطة سلخ جلدها في طنجرة على موقد حطب، ويراقبها خلال سلقها. وفي صور أخرى تظهر عملية الذبح. وكان أئمة جوامع ومشايخ في مخيم اليرموك وأحياء جنوب دمشق أصدروا فتوى بجواز أكل المحاصرين لحوم القطط والكلاب والحمير للحفاظ على حياتهم. وتقول ناديا، 40 عاما، وتعيش في حي شرق دمشق، إن «قريبة لها خرجت من المخيم مع أطفالها، وكانت بحالة نفسية وصحية غاية في السوء، فقد أخبرتها أنها اضطرت وأطفالها لأكل لحم قطة، بعد أيام من الجوع لم تعد خلالها تتمكن من الوقوف على قدميها». وتضيف ناديا أن «حالة قريبتها النفسية كانت مضطربة وعدوانية، وكلما تذكرت ذلك تغرق بنوبة بكاء». ومع تواصل الحصار وانعدام المواد الغذائية والخضار، يسعى السكان المحاصرون للزراعة على أسطح منازلهم، في منطقة عشوائيات تفتقر إلى مساحة خضراء. وفي فيديو بثه مكتب جنوب دمشق الإعلامي يقول أحد السكان إنه نزح إلى المخيم من منطقة البويضة التي اجتاحتها قوات النظام أخيرا، وبما أن الكهرباء مقطوعة بشكل دائم ولا حاجة لصحن (دش) التقاط البث الفضائي، حول تلك الصحون إلى أحواض زراعية، ملأها بالتراب على سطح المنزل وزرعها ببذور السبانخ والسلق والكزبرة والبقدونس وغيرها من حشائش وخضار ويسقيها بما يتيسر له من مياه. كما تحدث عن صعوبة الحصول على بذور للمزروعات إلا أن تهريبها إلى داخل المخيم أسهل بكثير من إدخال الخضراوات والمواد الغذائية. وتسبب الحصار الخانق والتجويع المتعمد بوقوع عدة حوادث تسمم بسبب الإقبال على أكل أي شيء لسد الرمق، حيث ذكر سكان في المخيم أن أحد الأشخاص عثر الشهر الماضي في منزل مدمر بحي التضامن على قمح إلا أن لونه لم يكن طبيعيا ومع ذلك أخذه وطحنه مع العدس وصنع منه خبزا لعائلته المكونة من ستة أشخاص، الأب والأم وثلاثة شبان، زوجة أحدهم كانت حاملا في الشهر الرابع، وبعد ساعات قليلة ظهرت على الجميع أعراض التسمم، وتبين لاحقا أن القمح كان ملوثا بمادة شديدة السمية. ولا يزال جميع أفراد العائلة بحالة صحية سيئة، وأحدهم بحالة موت سريري، وتشرف عليهم الهيئات الطبية الموجودة في المنطقة مع عدم توفر علاجات للحالات السمية. وما زال أقرباؤهم ينتظرون السماح لهم بالخروج إلى مراكز طبية متخصصة في العاصمة. وكانت عدة هيئات ومنظمات أطلقت نداءات لإنقاذ الأطفال والشيوخ العالقين في المناطق المحاصرة، في الغوطة الشرقية وداريا والأحياء الجنوبية دون أي جدوى، حيث سمح لعشرات العائلات بالخروج من المعضمية منذ أسبوعين بعد أن مات أكثر من 10 أطفال. ولكن بعد خروجهم فرض حصار خانق على بلدة قدسيا التي لجأت إليها معظم العائلات الخارجة من المعضمية. وتعاني قدسيا ذا الكثافة السكانية العالية والهادئة نسبيا من شح في معظم المواد الغذائية لا سيما الطحين والسميد المادتان اللتان تحظر قوات النظام إدخالهما إلى المناطق المحاصرة بأي كمية كانت.