عرفت الصحافة بأنها مهنة المتاعب، لكونها تسير باستمرار على حبل مشدود بين مهمة البحث عن الحقيقة، وبين المصالح المتنافسة والمتضاربة غالباً، وهذا ينطبق على كل وسائل الإعلام. لكن الإعلام عامة، وليس العربي وحده، يعاني حالة من الضبابية والفوضى وغياب التوازن المهني والأخلاقي. ولنتفق، بداية، على أنه ليس هناك إعلام غير هادف، فكل إعلام يخدم أهداف وسياسات الجهة، أو الجهات، الممولة أو الراعية والحامية، أمنياً و/أو سياسياً، ومن دون ذلك لا ضرورة ولا معنى أصلاً لوجود الإعلام ووسائله. فلولا وجود جهة ما لديها رسالة تريد إيصالها إلى الآخرين، لما كانت هناك حاجة للإعلام، ولذلك رافق الإعلام حياة الإنسان منذ نشأته وسيبقى كذلك، وإن اختلفت وسائله؛ من الصراخ في البراري، إلى استخدام الطبول والأبواق، وحتى أحدث صيحات التواصل الإلكتروني (الاجتماعي أو الانعزالي!). وقد استفاد الإعلام من عولمة وسائله وتعدد خياراته للتوسع وسرعة نقل الأخبار والمعلومات، والإشاعات أيضاً (المقصودة وغير المقصودة).. وهذه مشكلة أساسية تضع الإعلام في مواجهة منافسين غير تقليديين، وغير مقيدين باعتبارات مؤسسية أو معايير مهنية ملزمة. لكن التحدي الأصعب الذي يهدد مسار الإعلام ومصيره، هو حالة الميوعة التي يشهدها وضع دولي انتقالي، تتغير فيه الموازين والتحالفات كما تتغير المواقف والأهداف التي تسعى إليها الأطراف المتنافسة والمتصارعة على المكاسب ومواقع النفوذ. فبينما كان الإعلام المحترف يتعامل مع الأحداث والمتغيرات بأسلوب يحترم عقل المتلقي ووعيه وإنسانيته، بغض النظر عن الدوافع والغايات، ظهرت إعلامات أخرى تعامل المتلقي بازدراء واستخفاف، وتحاول حقنه بما تريد وكأنه مجرد وعاء فارغ يمكن أن يستوعب كل النفايات! فهل أصبحت هذه هي رسالة الإعلام في عصر الإعلام المجوقل والمعولم، أم أنها مجرد فقاعة وسحابة صيف عابرة؟!