×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / جامعة الملك خالد تطلق خدمات إلكترونية لمنسوبيها المبتعثين

صورة الخبر

عملية التعلم والتعليم لا تكمل إلا بالتقويم، وتعد الامتحانات المدرسية الوسيلة الوحيدة في تقويم نتاجات التعلم، فالامتحانات كما يرى فريق من الخبراء: «تقنية مستخدمة لتقييم قدرة أو انجاز أو أداء قائم في موضوع ما» بيد أن الامتحانات المدرسية ترى بعين واحدة تبصر الجوانب المعرفية النظرية للمتعلم، لكنها تغض الطرف عن الجوانب الأخرى في شخصية المتعلم وأخلاقه ومهاراته ومراحل نموه وتكيفه الاجتماعي، وعاداته، وميوله واتجاهاته العقلية، وقدرته على الابتكار. صحيح أن الامتحان التحصيلي يحقق أغراضا محدودة منها قياس تحصيل التلاميذ من المعرفة، وتحفيز الدافعية للتعلم، فمعظم المتعلمين لا يدرسون إلا للاختبارات، كما أن نتائج الاختبار يستند عليها لاتخاذ قرارات الترفيع والترسيب والتخريج ومنح الشهادات وغير ذلك. لكن هذا الاختبار التقليدي يقيس قدرات المتعلمين على الاستظهار فقط، ولا يقيس قدراتهم على الفهم والتفكير الناقد والتحليل والتركيب والتقويم والربط بين ما يتعلمه في قاعات الدرس وحياته الشخصية والعلمية. ولكي يتمكن التقويم من النظر بعينين اثنتين، لابد أن يحصل المتعلم على تعلم تتوافر فيه المعايير التالية: 1- إنتاج الأشياء أو أداء المهام المطلوبة أو تقديم الأنشطة التطوعية. 2- تطبيق حقيقي يعتمد على استقصاء علمي، واستخدام المعرفة بطرق جديدة. 3- عمل المتعلم داخل الصف في حل قضايا ومشاكل ممثلة للحياة الحقيقية، وتفاعل بين المتعلمين والمقوم. مما يحفز المتعلمين على العمل الجاد الدائم، وتنمية مهارات التفكير العليا وحل المشكلات. يقول أحد خبراء التعليم: إن الامتحانات قلبت غرض التربية والتعليم من الإعداد للحياة والمستقبل إلى الإعداد للامتحان. حقيقة الامتحانات لا تعدو مجرد فحص دوري لما اكتسبه المتعلم من نتاجات التعلم المختلفة التي تؤهله في النهاية للمشاركة في حياته المجتمعية، فهي ليست غاية في نفسها. ولنتذكر أن آدم عليه السلام هو أول من أُجري له اختبار عن معرفته بالأسماء كلها لتأهيله لمهمة الخلافة الأرض «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (31-30) سورة البقرة. ثم توجه السؤال إلى آدم «قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» (33) سورة البقرة. لكن آدم لم يباشر الخلافة على الأرض إلا بعد أن تعرض لاختبار عملي: «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ» (35) سورة البقرة. صحيح أن آدم أكل من الشجرة بعد أن تأثر بغواية الشيطان؛ لكنه تعلم كيف يعالج الخطأ بالاستغفار والاعتذار: «قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (23) سورة الأعراف. وثمة مشكلة كبيرة نراها في الامتحانات النظرية التقليدية هي ظاهرة الغش، وهي مؤشر خطير، تكشف عن الفصل بين المعرفة والسلوك، فكثير من الطلاب لا تعنيه الأمانة بقدر ما يعنيه حصوله على الدرجة بأي وسيلة، ولهذا أثره في تحطيم البناء القيمي والخلقي لأجيال متتابعة, وقد تمتد آثار هذا التجاوز الأخلاقي إلى ما بعد الانتهاء من التعليم والخروج إلى الحياة العملية ليصبح لدينا جيل من المواطنين يتسمون بالتهاون الأخلاقي والتهرب من المسئولية والتماس الطرق الملتوية والمنحرفة في قضاء الأمور سواء بالواسطة أو المحسوبية أو الرشوة. إن طلابنا عندما يعيشون فصاما نكدا بين العلم والعمل، لا يرون علاقة بين العلم الذي يتعلمه وبين العمل الذي يجب أن يأتي به بعد هذا العلم، ولعلهم قرأوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس منا)، لكن الأثر العملي لذلك التوجيه النبوي لا يرى في أنفسٍ عوراء. أتصور أن أي حديث عن جودة التعليم أو تأهيل طلابنا للتعامل مع واقع عالمي متغير في القرن الحادي والعشرين الميلادي يتطلب أن نطمح لإنجاز امتحانات تبصر نتاجات التعلم النظرية والعملية بعينين اثنتين لا عين واحدة. أستاذ مشارك بجامعة الدمام