لايختلف اثنان عن ان كامب ديفيد أتت لتخفف ذلك الاحتقان الذي نشأ بين قادة الخليج والإدارة الاميركية وبالذات فيما يخص المفاوضات النووية مع ايران وتدخلاتها في المنطقة. ولقد استشعر الرئيس أوباما هذا الصدع في العلاقات ونادى لاجتماع في كامب ديفيد فلا الولايات المتحدة من صالحها التفريط في حلفائها الذين يمتلكون الكثير من القوة الاقتصادية والدينية وثقلهم السياسي, بل وحتى العسكري الذي تجلى في عاصفة الحزم التي ابهرت المراقب والمتابع وأوقفت ايران عاجزة عن تقديم عون او دعم او حتى النفاذ والدخول لمساعدة حليفهم الحوثي. كذلك دول الخليج يهمها ان تتطور علاقاتها وتستمر مع الولايات المتحدة البلد الكبير والقوة العظمى والتي تتربع على هرم العالم كذلك لا تريد لتلك العلاقات ان تتراجع, واليوم بدا لنا بعد هذا الاجتماع ان هناك حرصاً متبادلاً من كلا الطرفين الخليجي والاميركي على الالتزام المشترك حيال الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وبين مجلس التعاون الخليجي وذلك لبناء علاقات أوثق في كافة المجالات وبما فيها الدفاعية والأمنية منها. اذاً ايران كانت هي محور الاختلاف وليس الخلاف ونستطيع قول ذلك وخصوصا عندما سمعنا الرئيس أوباما في كامب ديفيد يقول إن ايران دولة راعية للإرهاب.. والخليجيون محقون في القلق منها. اذاً هناك اتفاق من حيث المبدأ والاختلاف هو في طريقة التعامل مع ايران والتصدي لرعايتها للإرهاب وخصوصاً بدعم المليشيات الطائفية سواء الحوثية منها او الحشد الشيعي او حتى من يسمي نفسه (حزب الله). وهذا الموضوع يترك لنا التعامل مع هذه المليشيات الإرهابية المدعومة من ايران وقد تم التعامل مع مليشيا الحوثي بكل حزم وما كان من الطرف الأميركي الا تفهم الوضع -وعرض المساعدة- وانه من حق دول الخليج الدفاع عن نفسها عندما يكون هناك تهديد يؤثر على امنها. وفيما يخص الشأن النووي فنعلم ان المفاوضات لم يتم التوقيع عليها بشكل نهائي ومهما تبجحت ايران بأنها حققت ماتريد فلقد وافقت مكرهة على ما رفضته منذ الوهلة الأولى. حيث ان الاتفاق النهائي ينص على التخلص من ثلثي أجهزة الطرد المركزي تلك القادرة على انتاج اليورانيوم الذي يمكن استخدامه عسكرياً. كما يوجب على طهران تفكيك مفاعل كامل بسبب قدرته على انتاج البلوتونيوم, كذلك والاهم اخضاع كافة ابحاثها النووية للرقابة الدولية بل ان العقوبات لن ترفع دفعة واحدة عقب توقيع الاتفاق النهائي, بل سيجري تخفيضها ببطء. حتى ان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر عن غضبه من قرار الولايات المتحدة نشر تقرير مفصل عن الاتفاق المبدئي الذي وقعته ايران مع القوى الكبرى حول المحادثات النووية. ومع كل ذلك فان الكونغرس اقر قانوناً يحق له النظر في الاتفاق النووي المرتقب مع ايران المحتمل وسيكون الكونغرس في موقع افضل للحكم على أي اتفاق نهائي وضمان عدم ابرام اتفاق سيئ. هذا يؤكد على ان الخلاف مع الولايات المتحدة حول هذا الشأن لم يمثل نهاية المطاف حيث ان الولايات المتحدة يهمها امن واستقرار المنطقة ولن تجازف بالحصول على صفقات تضر بمصالح حلفائها الأهم في منطقة الخليج. ان الرئيس أوباما ورؤيته الجديدة. التي يريد ان تحقق أميركا بقوة الدبلوماسية بدلا من استخدام القوة العسكرية أي استخدام القوة الناعمة بدلا من استخدام القوة الخشنة هو الاصلح للولايات المتحدة الاميركية في هذه الأوقات. فنرى أوباما يعيد علاقة بلاده بكوبا بعد ان كانت مياه علاقاتها قد جفت واليوم يحاول استمالة ايران بطرق يراها هو بأنها هي الأصلح والأنجع. وخصوصًا اذا كبلت ايران وبشكل موثق يتم فيه التوقيع عليه من قبل طهران وذلك بالالتزام الكامل لبنود الاتفاق النهائي كما يلزم طهران بفتح منشآتها لوكالة الطاقة الذرية وتفتيشها. سيكون بمثابة ترويض وتطويع طهران اذا ما تمت الاتفاقية من دون خروقات وهذا قد يجعل طهران تلتفت الى داخلها البائس وتعمل على تحسين اقتصادها وتعلم ان استخدام أموالها الطائلة في دعم المليشيات لن يجلب لها الا المزيد من العداء والخسائر وتعظيم الهوة. حتى لو كان لدى ايران مشاريع توسعية فعليها ان تعلم انه لا داخلها الاقتصادي المتآكل سيسمح لها بالمزيد ولا تركيبها الاجتماعي الفسيفسائي سيتوقف عن ثوراته ان لم تحسن علاقاتها بجيرانها وبداخلها الذي بدأت تحصد ما زرعته من بذور طائفية وبذور فرقة وخلاف فسينعكس عليها وستجد نفسها في ورطة وستجد ان رهاناتها كلها خاسرة. ان اجتماع كامب ديفيد كان رسالة لطهران ولمن كان يتمنى الانهيار للعلاقة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الاميركية حيث اكد هذا الاجتماع على تفهم وجهات النظر المختلفة والاستمرار في علاقات مطردة والتزام الولايات المتحدة للعمل مع دول المجلس لردع أي تهديد خارجي يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة لسلامة أراضي أي من دول مجلس التعاون الخليجي. كذلك اكد القادة على انه سيكون هناك اتفاق شامل يتيح الرقابة والتحقق ويبدد كافة المخاوف الإقليمية والدولية بشأن برنامج ايران النووي والذي بدورة سيخدم المصالح الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي. وسيتم دعم دول الخليج عسكريا وبمنظومات دفاع صاروخي وتعزيز امن حدود دول الخليج وسيكون يكون هناك تعاون يشمل الأمن الالكتروني والأمن البحري مع دولنا. وستقوم الولايات المتحدة بتسريع نقل السلاح الى دول المنطقة الخليجية, كذلك سيتم ارسال فريق الى المنطقة في الأسابيع القادمة لبحث التفاصيل. على كل حال ستعمل دول الخليج بكل جهد سياسي ودبلوماسي عالٍ للحصول على ما يضمن امنها واستقرارها وقد رأينا ذلك جليا ف استصدارها لقرار 2216م من مجلس الأمن فيما يخص اليمن. وفي نفس الوقت تحافظ على علاقاتها مع حلفائها واذا احتاجت لعاصفة حزم أخرى لن تتردد فهي دول ذات سيادة ويبقى امن بلدانها خطا احمر تتفهمه الدول الصديقة والحليفة. * محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية واستاذ بمعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية