تناقشت مع طلابي حول نظرية الذكاء التواصلي، وكيف يمكننا أن نستفيد من هذه النظرية في البحث عن وظيفة، أو تأسيس مشروع، وكان النقاش حافلاً بالعديد من الأفكار، وكنت استحثهم على إنتاج أفكار غير تقليدية حتى لو كانت خيالية لا يمكن تحقيقها! والهدف من ذلك أن يتعودوا الإيجابية، ويطردوا الخوف من محاولات صناعة الأفكار والمشاريع، وليعرفوا أيضاً قدراتهم الذاتية في التفكير والممارسة العملية لإنجاز الفكرة. تناولنا نموذجاً بائساً من نماذج الشباب السعودي في بعض الأعمال، وذلك من أجل عدم الوقوع في عمل لا تحبه ولا يمكن أن تكون منجزاً فيه، وهذا النموذج هو حالة الشباب السعودي الذين يعملون في الحراسات الأمنية للشركات والمجمعات الخاصة، واتفقنا على أن كل الأعمال مهمة وشريفة ويحتاجها المجتمع، لكننا ننظر من زاوية العمل الذي أحبه، ويمثل قدراتي وشخصيتي، واستعرضنا حالة أولئك الشباب فخرجنا بالعديد من الصور والظواهر منها: الوقوف لأداء عمل الحراسة بتذمر وعدم ارتياح. أداء عمل الحراسة والذهن مشغول بالجوال. لا يملك حارس الأمن شخصية تعينه لهذا العمل، خصوصاً إذا كان سميناً، وغير ممارس للرياضة، أو كان نحيفاً لدرجة أن هذا العمل يرهقه ولا يقوى على تحمله. أغلب من يعمل بالحراسة كأنه مغصوب على هذا العمل، ولذلك تجده غير مرتب في هندامه ولبسه، ومثاله: كيف يتم التناسق بين القميص والبنطلون مع لبس الحذاء وليس الجزمة؟! أيضاً فإن شركات الحراسة هي من وضع شبابنا في هذا المستوى السيء، فالمرتبات قليلة، والعمل طويل ممل، ولم تعمل تلك المؤسسات على تدريب الشباب على ماهية الحراسة؟ وأساليبها؟ والوعي بها من كافة الجوانب النفسية والجمالية والتواصلية الاجتماعية! بل أخذتهم أخذاً، واستغلت حاجتهم الماسة للعمل، وزجت بهم في مواقع عمل لا يعرفون كيفية التعامل الكامل مع أي ظرف يحدث أو يطرأ! وكل حارس أمن يدرك الصورة الذهنية التي في رأسه للشرطي الذي خبره في الشارع أو في مسلسلات التلفزيون، فاستحضرها وصار يسير على منوالها، مع ما تضيفه الشركات من الأوامر في عمل الحراسة: اعمل كذا،، ولا تعمل كذا!! ما سبق هو نموذج لوقوع الشباب في أعمال لا يحبونها، والسبب ليس من عدم وجود أعمال أخرى! ولكن السبب الرئيس هو انعدام الذكاء التواصلي في وعي الباحث عن العمل، ولو كان ذكياً في التواصل؛ لحاول أن يدرس أي وظيفة يقدم عليها من خلال هذا المربع: الذكاء الذاتي، والذكاء الانفعالي، والذكاء الاجتماعي، والذكاء اللغوي. وهذه التربيعة التواصلية تساعد الشخص في معرفة قدراته الخاصة والعامة، وتحقق رؤيته في البحث عن العمل الذي يريده ويحبه حتى يكون منجزاً ومبدعاً. العمل للإنسان ضرورة، وتحقيق ذات، ومسؤولية فردية واجتماعية، ولذلك فليس من المزعج أن تتعب في الوصول لتحقيق العمل الذي تحبه، وتجد ذاتك وتحقق طموحاتك فيه، سواءً كان عملاً حكومياً أو خاصا، أو عملاً تكون أنت رائده ومنشئه، ولذلك أيها الشاب عليك بالتروي، والتفكير، والتخطيط، ومسح بيئة الأعمال، ثم تختار وتتقدم، والله هو المعين والموفق. باحث في الدراسات الثقافية