×
محافظة المنطقة الشرقية

توزيع وجبات مجانية وهدايا مميزة لعملاء سوا من STC

صورة الخبر

لم يضع انتخاب أول رئيس أسود "باراك أوباما" في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 حداً للجدل حول التمييز ضد الأمريكيين من أصول إفريقية داخل النظام الأمريكي، حيث يتصاعد الجدل من حين لآخر بسبب السياسات التمييزية ضدهم لا سيما ممارسات رجال الشرطة ضد السود الأمريكيين، ومعاملتهم كمواطنين أمريكيين من الدرجة الثانية، ومنذ منتصف العام الماضي (2014) والولايات المتحدة تشهد حالة من السخط والغضب بين السود الأمريكيين إثر مقتل مواطنين عزل من أصول إفريقية في عدد من الولايات الأمريكية على أيدي رجال الشرطة البيض، كان آخرها مقتل شاب أسود من أصل إفريقي يُدعى فريدي غراي (25 عاما) في التاسع عشر من إبريل/ نيسان الماضي بعد إصابته في العمود الفقري أثناء احتجاز الشرطة له في مدينة بالتيمور بولاية ميرلاند . عقب وفاة غراي شهدت بالتيمور، التي تسكنها أغلبية من السود تصل نسبتهم بالمدينة التي يبلغ تعداد سكانها 620 ألف نسمة 63% من سكان المدينة أما البيض بالمدينة فنسبتهم 29% من عدد سكان المدينة، احتجاجات ومواجهات عنيفة بين المتظاهرين السود ورجال الشرطة، وتلك الاحتجاجات هي الأعنف منذ احتجاجات فيرغسون في أغسطس/ آب من العام الماضي (2014) حيث اندلعت أعمال العنف في مدينة فيرغسون بعد مقتل شاب أمريكي أسود في الثمانية عشرة من عمره، برصاص ضابط شرطة أبيض، ويأتي الحادث الأخير لمقتل غراي على أيدي رجال الشرطة ضمن سلسلة حوادث مشابهة لمقتل مواطنين عزل من أصول إفريقية وقعت خلال الأشهر الماضية في عدد من الولايات الأمريكية، ومثل تلك الحوادث تؤجج التوترات والاحتجاجات داخل أوساط الأمريكيين السود من أصول إفريقية والتي تأخذ منحى دموياً خلال المواجهات بين المتظاهرين السود ورجال الشرطة البيض . تعيد الأحداث التي تشهدها مدينة بالتيمور على خلفية مقتل شاب أسود إلى الأذهان ما شهدته المدينة في عام 1968 من احتجاجات وأعمال عنف وتخريب واسعة النطاق، ونهب وتدمير للمحال والمنشآت العامة، واستدعاء الحرس الوطني لتتحول المدينة إلى ثكنة عسكرية لوضع حد لتلك الاحتجاجات الأحداث في أعقاب اغتيال مارتن لوثر كنغ، وهي نفس الأحداث والتطورات التي شهدتها المدينة الشهر الماضي إبريل/ نيسان إثر مقتل شاب أسود على أيدي رجال الشرطة، وهو الأمر الذي عكسته صورة غلاف لمجلة "تايم" الأمريكية لمتظاهر يجري وخلفه أعداد هائلة من قوات الشرطة، وتحت الصورة تعليق يقول، أمريكا ،1968 وشطبت المجلة على العام بخط أحمر وكتبت فوقه ،2015 ليكشف عن أن أوضاع السود بالمدينة وبالولايات الأمريكية لم تتغير منذ عام 1968 وأن التمييز ضد السود مازال مستمراً . هناك اعتراف حكومي بعنصرية الشرطة الأمريكية ضد الأمريكيين السود حيث أقر تقرير لوزارة العدل الأمريكية صدر في شهر مارس/ آذار الماضي بعنصرية الشرطة الأمريكية والممارسات العنصرية ضد السود، فقد جاء فيه أن الشرطة التي يغلب عليها البيض استهدفت بشكل روتيني السود الأمريكيين، وأن رجال الشرطة يستخدمون القوة المفرطة والاعتقال غير القانوني ضد السود الأمريكيين، وعلى إثر تزايد عدد حالات قتل السود الأمريكيين على أيدي قوات الشرطة البيض دعا الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" إدارات الشرطة في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية للتفكير في الطريقة التي يتم التعامل بها مع المشتبه بهم من الأمريكيين ذوي أصول إفريقية . لا تقتصر تظاهرات واحتجاجات السود الأمريكيين على الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة الأمريكية ضدهم، ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير، حيث إنها تكشف عن التهميش الذي يتعرض له الأمريكيون من أصول إفريقية منذ عقود، فضلاً عن حرمانهم من حقوقهم في التعليم وفرص العمل المساوية لغيرهم من الأمريكيين . فنتيجة للسياسات التمييزية ضد السود الأمريكيين والتعامل معهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية أن تمركزوا في تجمعات تُعاني تراجع الخدمات والمرافق العامة لا سيما في مجالي التعليم والصحة رغم نص الدستور الأمريكي على المساواة بين كافة الأمريكيين بصرف النظر عن اللون أو العرق أو الدين، وهو الأمر الذي أدى لارتفاع معدلات الفقر والجريمة بين السود الأمريكيين فضلاً عن تردي مستوياتهم المعيشية والاجتماعية . رغم السياسات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية لإنهاء حالة التمييز ضد السود الأمريكيين، وتبني بعض الولايات سياسات "التمييز الإيجابي" لتعويض السود عن عقود من القمع والتمييز العنصري، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للأمريكيين السود لم تتحسن بالقدر الكافي مقارنة بالأمريكيين من عرقيات أخرى، حيث بلغ متوسط الدخل بين السود الأمريكيين في عام 2012 ما يقدر ب 2،32 ألف دولار وهو أقل من متوسط دخل الأمريكيين البيض والذي يصل إلى 4،55 ألف دولار، فضلا عن أن معدلات البطالة بين السود الأمريكيين هي ضعف معدلاتها بين البيض الأمريكيين خلال عام 2012 . وفي الوقت الذي توقع فيه كثيرون داخل الولايات المتحدة وخارجها من أن أوضاع الأمريكيين السود ستتحسن مع وصول أول أمريكي من أصول إفريقية إلى البيت الأبيض في عام 2009 إلا أن الواقع دحض تلك التوقعات، فعلى الرغم من أن الأمريكيين من أصول إفريقية صوتوا لصالح المرشح الديمقراطي "باراك أوباما" في الانتخابات الرئاسية لعامي 2008 و،2012 حيث بلغت نسبة مؤيديه من الناخبين السود في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 حوالي 96% و93% في انتخابات عام ،2012 إلا أن بعض المراقبين والمحللين يرون أن أوضاع الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية تدهورت خلال فترتي الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، فقد كانت نسبة البطالة بين الأمريكيين من أصول إفريقية مع بداية الفترة الرئاسية الأولى ل "باراك أوباما" حوالي 7،12% لترتفع مع نهاية فترته الأولى وبداية الثانية لتصل إلى ما يقرب من 8،13% . ولم يقتصر الأمر على تراجع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأمريكيين السود خلال فترة حكم أول رئيس منهم بل امتد أيضاً لتراجع الرئيس عن تعهداته بالحفاظ على التنوع ضمن التعيينات الحكومية في واشنطن، حيث انخفض عدد المسؤولين الأمريكيين من أصول إفريقية في إدارة أوباما مقارنة بعددهم خلال الفترات الرئاسية السابقة، فقد وصلت خلال فترة الرئيس بيل كلينتون سبعة مسؤولين وأربعة في إدارة جورج دبليو بوش فيما تم تعيين أربعة أمريكيين من أصول إفريقية في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وهو الأمر الذي دفع البعض إلى وصف الرئيس الأمريكي بأنه "الرئيس الأسود ذو القلب الأبيض"، في إشارة إلى أنه لا يشعر بما يعانيه أبناء جلدته من أصول إفريقية، إلى درجة أن البعض اتهمه ب"العنصرية" مثلما يفعل الأمريكيون البيض، بسبب تصريحاته التي وصف فيها المتظاهرين بمثيري الشغب . خلاصة القول، يكشف استمرار الممارسات العنصرية للشرطة الأمريكية ضد السود الأمريكيين، الذين يمثلون ما يقرب من 13% من إجمالي سكان الولايات المتحدة، وما ترتبه من احتجاجات وأعمال عنف على العنصرية رغم تعهدات المسؤولين الأمريكيين بمعالجة الأزمة واعترافهم بعنصرية الشرطة، أن الممارسة العنصرية ضد السود مترسخة لدى الأمريكيين البيض لأبعد حد، وقد تهدأ احتجاجات السود الأمريكيين على إثر مقتل أحد الأمريكيين السود لكنه سيكون هدوءاً مؤقتاً في ظل استمرار سياسات التمييز ضد الأمريكيين من أصول إفريقية، وتردي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والإجراءات القانونية والقوانين الجديدة في عدد من الولايات التي صارت تحرم قطاعات واسعة من السود من حق التصويت . فاستمرار سياسات التمييز ضد الأمريكيين من أصول إفريقية سيكون محفزاً على اشتعال الاحتجاجات من حين لآخر؛ لأن الأمر ليس متعلقاً فقط بعنصرية رجال الشرطة ضد الأمريكيين الأفارقة، ولكن بسياسات أمريكية تمييزية ضدهم مترسخة في عقلية البيض الأمريكيين . * باحث مصري متخصص في الشؤون الأمريكية ومحرر مشارك بمجلة السياسة الدولية