لقد أغدق الله على هذه البلاد المملكة العربية السعودية بطائفة من رجالات هذا الوطن الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فاخلصوا لهذه البلاد طوال حياتهم الحافلة بالعمل المخلص والجهد الدؤوب والمثابرة في تقديم كل ما يخدم أمتهم، وقد نالت مدينة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام النصيب الأوفر من هؤلاء الرجال، فما من أحد عاش في طيبة الطيبة أو شرف بزيارتها إلا ويذكر جمهرة منهم، ومن أبرز هذه الأسماء المدينية حضوراً في ذاكرة الوطن اسم السيد حبيب محمود أحمد – رحمه الله – الذي اختار أن يتشرف بخدمة المدينة النبوية على مدى عمره المديد (1338ه - 1423ه). واليوم يوثق ابنه البار الدكتور أحمد حبيب لمحات من مشوار والده العلمي والعملي وتفانيه في خدمة أبناء المدينة المنورة، حيث صدر له كتاب حمل عنوان "السيد حبيب محمود أحمد.. لمحات في سيرة حياة ومسيرة إنجاز" إذ يقول في معرض مقدمته: من حق الباحثين في التطور التعليمي والاجتماعي والتربوي والإعلامي أن يقفوا على الجهود التي بني عليها هذا التطوير، ولم يبن ذلك إلا على عواتق الرجال، وأحسب أن من بين أولئك الرجال، ذلك الرجل المتعدد المواهب والاهتمامات في شتى المجالات التي من أبرزها: المجال العام والمجال التربوي والاجتماعي، ذلك هو السيد حبيب محمود أحمد - يرحمه الله - أحد وجهاء المملكة بصفة عامة ومن وجهاء المدينة المنورة في زمانه بصفة خاصة. ولقد أحسن المؤلف قبل تأليفه للكتاب باطلاعه على العديد من المصادر العلمية والأوراق الخاصة التي تحتوي على جهود السيد حبيب ومواقفة ودوره المهم في المدينة المنورة، وأحسب ذلك نوعاً من التوثيق والتأصيل لرجل أخلص لطيبة الطيبة ولساكنيها كل الاخلاص استمع إلى ما قاله الأديب الكبير والباحث الثقافي الدكتور عاصم حمدان في تمهيده لهذا الكتاب: لقد دخل هذا الرجل في بداية حياته العلمية المجلس الإداري، الذي كانت له أهمية كبيرة في اتخاذ القرارات المتصلة بشؤون البلدة الطاهرة، ويبدو أنه أفاد في مجالسته بجيل سبقه من رجالات المدينة المنورة. ثم اسندت إليه كثير من المهام وخصوصاً فيما يتصل بإشرافه على شؤون الحرم النبوي الشريف وكذلك رئاسته لمجلس الأوقاف بمنطقة المدينة المنورة وعضويته في مجلس الأوقاف الأعلى، إضافة إلى مهام أخرى ساهم من خلالها في خدمة أهل الجوار الطاهر. بنى الدكتور أحمد حبيب هذا الكتاب على ثمانية فصول استطاع من خلال هذه الفصول توضيح دور والده الرائد وإبرازه للقارئ، حتى يستطيع أن يلم بجليل أعماله ونفيسها. تنحدر أسرة السيد حمد محمود أحمد من نسل سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب، فقد قدمت من مقاطعة فيض آباد في الهند قبل عقود طويلة واستقرت بالمدينة المنورة واشتهرت بحبها للعلم وتدريسه وقد ورثوا ذلك الشرف كابراً عن كابر، ويؤكد ذلك تأسيسهم لمدرسة العلوم الشرعية عام (1340ه) في المدينة المنورة على يد عمه السيد أحمد الفيض آبادي – رحمه الله – فلا غرو أن يخرج من هذه الأسرة الكريمة العالم الجليل السيد حبيب محمود أحمد المولود في المدينة المنورة عام (1338ه) وأولاه والده كل رعاية واهتمام، حيث ألحقه والده السيد محمود بمدرسة العلوم الشرعية والتي كانت أهم مؤسسة تعليمية في تلك الفترة، ولكن ظروف والده العملية اضطرته للسفر نحو جدة قاضياً بها فأكمل السيد حبيب جزءاً من مسيرته العلمية في مدرسة الفلاح أشهر معاقل العلم في جدة ثم عاد صاحب هذه الترجمة ليتخرج في القسم العالي من مدرسة العلوم الشرعية بعد أن أتقن حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وحين لمس والده وعمه مخايل النجابة في السيد حبيب أسند إليه إدارة شؤون المدرسة العلوم الشرعية وتحمل أعباء مسؤولياتها حتى أضحى مديراً لها عام (1358ه) وهو في العشرين من عمره بعد وفاة عمه السيد أحمد الفيض آبادي. عرف السيد حبيب أنه أمامه مسؤولية جسيمة وتحديات كبرى لابد أن يتخطاها وينجزها فقد وفقه الله إلى شراء أرض مجاورة للمدرسة وإقامة مبنى عليها حتى تتحمل المدرسة الأعداد المتزايدة من الطلاب وأسس شعبة للصناعة وجهزها بالآلات وأضاف إليها مخارط للحديد وأدخل إليها مولدات الكهرباء فاستفادت المدرسة وانتفع الطلاب، ولم يلبث سنوات حتى قام بشراء أرض أخرى وأنشأ عليها ملجأ لإيواء الأيتام مع النفقة عليهم وإطعامهم وكسوتهم. وما لبث أن ضاق المسجد النبوي الشريف بالمصلين والزوار الحجرة الشريف فأمر الملك سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – بتوسعته وتتطلب التوسعة ضم المباني المجاورة للحرم النبوي ما أدى إلى إزالة مبنى المدرسة، الأمر الذي جعل من السيد حبيب أن يختار أرضاً مجاورة للتوسعة الجديدة وأنشأ عليها المبنى الجديد لمدرسة العلوم الشرعية، وحين فرغ من بنائها رفع للملك سعود برقية يطلب فيها التكرم بافتتاح المبنى الجديد للمدرسة، وما كان من الملك سعود إلا أن تفضل بالموافقة، وقد تم الافتتاح عام (1378ه) في حفل خطابي كبير حضره جمهرة من المسؤولين وكوكبة من العلماء والأدباء، وما هي إلا سنوات أخرى حتى أراد الله لمسجد نبيه توسعة أخرى على يد الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – فهدم هذا المبنى وادخلت أرضه في المسجد النبوي، فاختار السيد حبيب أرضاً للمدرسة في حي العوالي على مقربة من المسجد النبوي واستمر دورها التنويري إلى اليوم وهي تضم (1000) طالب، وهنا ذكر الكتاب أن من أبرز خريجيها منذ تأسيسها عدد كبير من العلماء والأدباء ورجالات الدولة منهم: محمد الحركان، محمد عمر توفيق، عبدالقدوس الأنصاري، محمد الحافظ، عبدالعزيز الربيع، محمد هاشم رشيد، عبدالفتاح أبومدين، إبراهيم غلام، عاصم حمدان وآخرون. ولكون مدرسة العلوم الشرعية من معالم دار الهجرة الشهيرة فقد حظت بزيارة كوكبة من الساسة والعلماء والأدباء الذين شرفوا بزيارة المدينة وسجلوا كلماتهم الصادقة في سجل الفخار ومن أبرز من دون كلماته في هذا السجل: عبدالله بن حسن آل الشيخ، حافظ وهبه، علي باكثير، طلعت حرب، محمد حسين هيكل، عبدالوهاب عزام، شكري القوتلي، رشدي العظمة، حسين عرب، محمد طاهر الدباغ، أحمد أمين، إبراهيم عبدالهادي باشا، محمد سعيد دفتردار وغيرهم. لم يكتف السيد حبيب بخدمة العلم وطلابه في دار الهجرة بل رأى أن يوسع دائرة خدمته فيها فقد عين عضواً في لجنة العين الزرقاء عام (1362ه)، كما انتخب عضواً بالمجلس الإداري بالمدينة المنورة وهو مجلس يشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، وبقي في هذا المجلس حتى تم انتخابه نائباً لرئيسه، كما كان عضواً في لجنة مراقبة الصحف والمطبوعات، ثم عين عام (1387ه) رئيساً لمجلس أوقاف منطقة المدينة المنورة كما تولى رئاسة الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة عام (1386ه)، وفي عام (1406ه) تم تعيينه عضواً في الهيئة الإدارية الاستشارية لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. ويحرص المؤلف الدكتور أحمد حبيب على أن يلقي الضوء على مكتبة السيد حبيب محمود أحمد العامة بالمدينة المنورة بحي سيد الشهداء والتي افتتحت عام (1426ه) بعد وفاته بثلاثة أعوام حيث تفضل صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة آنذاك بافتتاحها وسط احتفال ثقافي كبير، وتضم المكتبة بين جنباتها آلاف الكتب المخطوطة منها والمطبوعة ومجلات قديمة ومواد سمعية وبصرية وذلك لتشجيع القراءة وتوفير مصادر البحث العلمي ودعم حركة التأليف. لقد كان السيد حبيب أحمد –رحمه الله- باراً بمعشوقته مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام فقد كان صاحب دور ريادي وتنويري لكل ما فيه مصلحة تطوير المدينة المنورة، وقد حظى بثقة الملوك والأمراء منذ عهد الملك عبدالعزيز – رحمه الله- فأسندوا إليه عدداً من المهام وكلفوه بطائفة من الأعمال وهذا لعمري إن دل فإنما يدل على إخلاصه لأمته وحبه لمدينته وما يتمتع به من عبقرية فذة ترجمها في جملة من أعماله الخالدة. السيد حبيب في عيون محبيه كان السيد حبيب رجلاً اجتماعياً محترماً.. عزيزاً مهذباً ذا خلق عال وسمعت ورأيت مكانته المميزة لدى كبارنا. عبدالفتاح أبومدين هو من الرجال العلماء، رجل عالم بالحديث، وله خبرة واسعة في مجال الأوقاف حسب شهادة وزراء الأوقاف. عبدالله خياط كان السيد حبيب كريم النفس، حسن الخلق، حلو الحديث، ودوداً مع الجميع حريصاً على مواصلة أهل المدينة أفراحهم وأتراحهم. علي الشاعر - له جهود واضحة ملموسة في النهضة التعليمية بالمدينة من خلال عنايته الخاصة واهتمامه البالغ بمدرسة العلوم الشرعية. د. عبدالله عسيلان - السيد حبيب من أعلام الوطن ورمز من رموزه، يفتح صدره لكل من يؤم داره، ولا يبخل بجاهه على أحد. إبراهيم غلام