تشهد الولايات المتحدة الأمريكية كل أربع سنوات حدثاً مهماً، وهو الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ورغم أن هذه الانتخابات تتعلق في الأصل بشأن داخلي بحت يتعلق باختيار المواطنين الأمريكيين لرئيسهم، فإن هذا الشأن المتعلق بالنظام الأمريكي وتطورات السياسة الداخلية الأمريكية يحظى باهتمام العالم ككل الذي يتابع الانتخابات الأمريكية بشكل مباشر ولحظة بلحظة، وهو ما يمكن تفسيره بأن الولايات المتحدة تعتبر بمثابة القطب الكبير، ويترتب على ذلك بالضرورة اهتمام عالمي بكافة التطورات السياسية الداخلية التي تدور في الولايات المتحدة، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي بدأت عجلتها تدور مبكراً وقبل الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات بقرابة العام ونصف العام . ذلك يثير ثلاثة مستويات أساسية تتعلق بخصوصية الانتخابات الرئاسية الأمريكية وواقع ومستقبل هذه الانتخابات . * أولاً: خصوصية الانتخابات الرئاسية الأمريكية: تجري الانتخابات الرئاسية الأمريكية في كل سنة كبيسة في يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك عقب فترة بسيطة من انعقاد المؤتمرات القومية للأحزاب، حيث يقوم كل حزب من الحزبين الكبيرين (الديمقراطي والجمهوري) بتسمية المرشح الرسمي للحزب، وذلك من بين الأعداد الكبيرة من الراغبين في الترشح داخل كل حزب، وبحيث يكون في نهاية الأمر هناك مرشحان اثنان يخوضان الانتخابات الرئاسية، ويختار الشعب الأمريكي أحدهما رئيساً للولايات المتحدة، وتعكس هذه الانتخابات سمة بارزة ومتكررة، وهي أن الحزب الحاكم أي الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس يدافع عن إنجازات الإدارة القائمة، سواء كانت إنجازات سياسية أو دبلوماسية أو عسكرية أو غيرها، والهدف من ذلك هو تسويق مرشح الحزب الحاكم لدى الناخب الأمريكي حتى يعاد انتخاب الرئيس لفترة رئاسية ثانية، أو لانتخاب مرشح الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس إذا كان الآخر قد أمضى فترتين رئاسيتين، ولا يحق له خوض الانتخابات الرئاسية مرة ثالثة وفقاً للدستور الأمريكي، وفي الوقت نفسه، فإن مرشح الحزب الآخر (المعارض) يقوم بتوجيه الانتقادات إلى الإدارة القائمة، ويوضح عيوبها ومساوئها، ويقدم وعوده للناخبين باتباع سياسات أفضل حال نجاحه . * ثانياً: واقع الانتخابات الرئاسية الأمريكية: يمكن القول إن سباق الرئاسة الأمريكية قد بدأ مبكراً، وهذه سمة من سمات النظام الأمريكي، حيث يبدأ الاستعداد للانتخابات الرئاسية قبل موعد الانتخابات الرسمي بعام أو أكثر، وذلك نظراً لما ينطوي عليه السباق الرئاسي من تعقيد وانتخابات داخل الحزبين لكي يتوصل كل حزب إلى أقوى مرشح لتمثيله في الانتخابات الرئاسية، وكما هو معلوم فإن المنافسة الانتخابية ستكون بين مرشح الحزب الديمقراطي وهو الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي باراك أوباما وبين مرشح الحزب المعارض أي الحزب الجمهوري، وقد شهدت الولايات المتحدة خلال الفترة القريبة الماضية إعلان عدد من المرشحين، سواء الذين ينتمون إلى الحزب الديمقراطي أو المنتمين للحزب الجمهوري عن رغبتهم في الترشح، وبطبيعة الحال فإن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من المرشحين والذين سيعلنون رسمياً عن نيتهم في الترشح، ولعل من أبرز المرشحين المحتملين عن الحزب الديمقراطي والذين يتنافسون داخل الحزب في التصفيات الحزبية، وصولاً إلى تحديد المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي السيدة هيلاري كلينتون وينافسها في التصفيات الانتخابية داخل الحزب الديمقراطي عدد من المرشحين ربما أبرزهم جون بايدن، نائب الرئيس الأمريكي الحالي، بينما على الجانب الآخر يتنافس داخل الحزب الجمهوري عدد كبير من المرشحين الذين يطمحون في الحصول على ترشيح الحزب في الانتخابات الرئاسية، ولعل من أبرزهم جيب بوش، وهو ابن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش وشقيق الرئيس بوش الابن، إضافة إلى السيناتور راند بول عن ولاية كنتاكي وحاكم ولاية تكساس تيد كروز وحاكم ولاية نيوجرسي كرس كرستي، ما يعكس حدة المنافسة في الانتخابات الأولية التي تدور داخل كل حزب على حدة، وبالنظر إلى هذه الأسماء للمرشحين المحتملين للرئاسة الأمريكية، إضافة إلى إمكانية أن يعلن غيرهم نيتهم في الترشح . * ثالثاً: مستقبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية (سيناريوهات وتوقعات): يمكن القول إن التساؤل المهم الذي يطرح نفسه على الساحة السياسية، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها هو هل يتمكن الحزب الديمقراطي من الاستمرار في الحكم وأن يفوز مرشحه في الانتخابات المقبلة أم يحدث تبادل أدوار بين الحزبين، بمعنى أن يفوز مرشح الحزب الجمهوري بالرئاسة ويتحول الحزب الديمقراطي إلى المعارضة ويمكن القول بوجود عدة متغيرات يمكن أن تؤثر في حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتتمثل فيما يلي: - أولاً: شخص المرشح، أي التاريخ السياسي للمرشح وإنجازاته السابقة وشخصيته ومدى قبول الناخبين له، ويمكن في هذا الإطار القول إن السيدة هيلاري كلينتون إذا فازت في الانتخابات الداخلية للحزب الديمقراطي، وأصبحت المرشحة الرسمية للحزب فقد تكون لديها فرص جيدة للفوز برئاسة الولايات المتحدة، ويفسر ذلك بعوامل عدة، ربما من أهمها التاريخ السياسي لهيلاري كلينتون وما تتمتع به من خبرة سياسية، اكتسبتها من المناصب المهمة التي شغلتها تنفيذياً وتشريعياً، فضلاً عن كونها السيدة الأولى للولايات المتحدة خلال فترتين رئاسيتين لزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون . - ثانياً: التوارث السياسي، حيث يمكن أن يلعب هذا المتغير دوراً مزدوجاً إيجابياً أو سلبياً، فعلى مستوى الحزب الجمهوري، فإن جيب بوش إذا فاز في الانتخابات الداخلية في الحزب الجمهوري، يمكن أن يكون مرشحاً رئاسياً قوياً، وهو بذلك يمكن أن يكون في حالة فوزه الرئيس الثالث من عائلة بوش، ما يعبّر عن ظاهرة التوريث السياسي، وينطبق ذلك أيضاً إلى حد ما على السيدة هيلاري كلينتون في حالة فوزها . - ثالثاً: مدى الإجادة في المناظرات الانتخابية، فالمرشح الذي يستطيع التعامل مع وسائل الإعلام بكفاءة، خصوصاً خلال المناظرات الانتخابية وقدرته على عرض آرائه وأفكاره في السياسة الخارجية والشؤون الداخلية ويكون مقنعاً أكثر للناخبين، تتزايد فرصه، وبالتالي فرص حزبه في الفوز في الانتخابات الرئاسية . - رابعاً: القدرة على استقطاب الأصوات المترددة، فمن الملاحظ في الانتخابات الأمريكية أن شريحة مهمة من الناخبين تكون غير محددة الموقف أو الاتجاه، بمعنى أنها لم تحسم موقفها التصويتي . ويمكن القول في النهاية إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد يكون من الصعب التنبؤ بنتيجتها مسبقاً، خصوصاً قبل فترة زمنية طويلة نسبياً، فقد تحدث بعض التطورات قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية بفترة قصيرة وتؤدي إلى قلب الموازين، وهذا ما يمكن أن تعكسه الفترة المقبلة . * أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة