«هل الشاعر مؤهّل للقيام بنقد النتاج الشعري له ولغيره؟»... عن هذا السؤال يُحاول الكاتب السعودي عبدالله محمد العضيبي الإجابة في كتابه «النقد عند الشعراء حتى نهاية القرن الرابع الهجري» (منشورات ضفاف -دار الأمان- منشورات الإختلاف). ولعلّ من المُسلّم به- قبل الإجابة عن السؤال- أنّ الشاعر هو الناقد الأول لنصّه الشعري، ويتمثّل ذلك في ما يقوم به من تهذيب وتنقيح للنصّ. فالنقد عند الشعراء يغري بالتتبّع، لأنّ الشاعر (الفنان) هو الذي يفضي إلينا بافكار عن فنّهم، وبالأصول والقواعد والسمات المرعية لهذا الفنّ الجميل. فضلاً عن عرض الفرق بين أن يُفسّر الفنان فنّه ويُحدّد ملامحه، وبين أن يتناوله غيره. هل تصحّ هذه المقولة على الشاعر ومعرفته بأصول فنّه الشعري؟ حاول عبدالله محمد العضيبي في دراسته أن يُجيب عن هذه الأسئلة من خلال تتبّع الفكر النقدي لدى الشعراء، مُعتمداً منهجاً علمياً خاضعاً لأصول البحث. ويتسّم النقد عند الشعراء بعناصر تجعله ذا طابع مميّز يكون مختلفاً عن نقد غيرهم. ويستعرض في بحثه آراء الشعراء القدامى التي تكشف عن موقف معين من نقد الشعراء. فيذكر بشار بن برد الذي كان ينفي أن يكون اللغويون مثل أبو عبيدة وغيره على معرفة بالشعر، لأنّ الشاعر وحده يفهم معنى الشعر، فيقول: «ليس هذا من عمل أولئك القوم، إنما يعرف الشعر من يضطر إلى أن يقول مثله». ورأي البحتري لا يختلف عن بشّار، ويرى المتنبي أنّ الشاعر أعلم من غيره بفنّ الشعر، ويقف الجاحظ إلى جانب هؤلاء الشعراء في تأكيد مقدرة الشاعر على ممارسة النقد. أمّا أبو القاسم الآمدي فيتخّذ موقفاً مخالفاً للآراء السابقة، ذاكراً قضية أبي تمّام ودعبل الخزاعي، ليقول بعدم قبول نقد الشاعر في شاعر آخر.