أهداني صديق كتابا عن التنمية أعادني مع أول صفحاته لسؤالنا الناشب منذ عقود هل النهضة ممكنة؟ لا شك أنه سؤال باذخ، لكنه ــ في ظل تردي أوضاع العرب والمسلمين اليوم ــ لا تعد العودة إليه ترفا فكريا، الأجدى مداومة إثارته حتى نعثر على شفرة إجابته، وقد أهدِرت في سبيل ذلك أحبار كثيرة ودبِجت كتب ومجلدات، لكننا مازلنا عند ذات المأزق الذي توقف عنده أوائل النهضويين العرب في العصر الحديث قبل أكثر من قرن ونيف. كيف وقف الاستبداد السياسي دون النهضة مستغلا حالة الجهـل السائد حينها، كيف تآمر مع الاستعمار ضدها، كيف امتد ذلك الصراع والتحالف، بل كيف أمكن التشكيك في نوايا علماء دين وفكر بقامة الإمام عبده والأفغاني والطهطاوي والكواكبي، ومحليا بعدهم بأكثر من نصف قرن الشيخ المشاط والشيخ العربي وشحاتـة والجاسر، وهؤلاء مجرد أمثلة وإلا فغيرهم كثير في عالم المسلمين؟ من الذي أشاع أن الدين ضد العلم والعقل وأن النهضة لا تكون إلا على حساب التدين؟ يسطحها البعض في ثنائية الأصالة والمعاصرة، وهي كذبة أخرى من كذبنا الكبرى، لم تكن الهوية مثار حرصنا وهي عالمية كديننا، إلا عندما ضعفنا عن تقويتها لما قويت شوكة غيرها. ولابتسار القضية يمكن القول إنه التعليم الذي منذ فقد عرشه قبل قرون والعرب والمسلمون ضائعون، العلم الديني والدنيوي، وهذه ثنائية أخرى قاتلة، مذ فرقنا بين علوم الآخرة وعلوم الدنيا ونحن في انحدار، مما أدى لسقوط فريضة إعمار الأرض ففقدنا وظيفتنا في الحياة حتى صرنا عالة على الغير في غذائنا ودوائنا وسائر أمرنا. لنتواضع قليلا وننسى للحظات مفاهيم أكبر منا كالتنمية والنهضة والتقدم والتقنية، لنركز على نظامنا التعليمي وما ينتج. البحث العلمي ونسبة الصرف عليه من الناتج القومي لأي بلد، يعتبر اليوم من أهم معايير التقدم، دعونا من الدول الكبرى، يكفينا متوسطها، اليابان تصرف 3.3%، كوريا الجنوبية 3%، (إسرائيل) 4.7%. أين نحن من كل هذا، كم عدد أبحاث جامعاتنا المتداولة عالميا، ما ترتيب جامعاتنا عالميا، كم بحث تم تبنيه محليا وكم بيت خبرة وطني تمت الاستفادة منه، أيعقل أنها جميعا سيئة، هل سيعين إنشاء وزارة للبحث العلمي، هل سيساعد فصل الجامعات عن وزارة التعليم، أو فصل مراكز أبحاثها كهيئات مستقلة. نشرت وزارة التعليم قبل فترة أنها أنفقت المليارات على البحث العلمي، وهي لا شك صادقة، لكن وكما يقول المثل الأمريكي: Where is the Beef.