• يستفزني كثيرًا تعبير شائع في أدبيات التنمية والاقتصاد العربية، وبخاصة عند الحديث عن التجارب التنموية العالمية الناجحة، فكثير من الكتّاب والمثقفين يستخدمون مصطلح (المعجزة اليابانية)، أو الكورية، أو حتى الهندية للدلالة على قوة ذلك الإنجاز وتحققه في زمن قياسي! اعتراضي بالطبع ليس على التجارب فهي جديرة بالاحترام والدراسة والنقد والتحليل للاستفادة منها.. اعتراضي يقف عند حدود مصطلح (المعجزة) الذي نلصقه دومًا بتلك التجارب الإنسانية.. ممّا يخلق حولها نمطًا خاطئًا من التفكير العاجز، ويكشف عن افتراضات وإيحاءات محبطة ينبغي أن نتوقف أمامها طويلاً. • إذا كانت المعجزة تُعرّف بأنها عمل استثنائي، وظاهرة خارقة تخالف قوانين ونواميس الكون، فإنها قد ارتبطت دومًا بالأنبياء والرسل، كدلائل على صدق نبوتهم من خلال أعمال إعجازية لا تخضع في معظمها للقياس والمنطق العقلي، لأنها ببساطة تتعدّى كل قدرات العقل وحدوده، ويعجز عن الإتيان بمثلها سائر البشر العاديين مثل معجزة الإسراء والمعراج، أو إحياء الموتى، أو انفلاق البحر.. وهنا تكمن خطورة التشبيه.. فإلصاق مصطلح المعجزة بتجارب بشرية ينطوي على إيحاءات مربكة ومحبطة.. فوصف ما تم في اليابان مثلاً بالأمر المعجز لا يقف عند حد الإيهام بأن حدوثه كان أمرًا مرتبطًا بأسباب وشروط خاصة تنفرد بها اليابان دون غيرها، بل يتعدّى ذلك إلى أن تصبح تلك التجربة ممّا لا يمكن فهمه أو نقله والاستفادة منه، لأن وصفه بالمعجزة يجعله يبدو للكثيرين وكأنه عصي على الفهم والتفسير والنقل والتكرار!. • لا توجد معجزة بشرية خارج إطار جهود البشر وعلمهم وعملهم.. كما لا يوجد سبب وحيد يمكنه تفسير نجاح بعض تجارب التنمية في العالم.. فالجهود البشرية مهما عظُمت تظل أعمالاً قابلة للفهم والتكرار في أي مكان آخر من العالم.. مع الأخذ في الاعتبار عدم وجود وصفات جاهزة يمكن تطبيقها على كل الدول بغض النظر عن ظروفها الداخلية.. فالوصفة التنموية الناجحة هي التي تراعي خصوصية وظروف المجتمع ونسيجه الداخلي. • باختصار لن نستطيع صنع تجربتنا السعودية الخاصة، أو قل إن شئت (معجزتنا السعودية) طالما بقينا ننظر لتجارب العالم من وراء قضبان السجن النفسي الرهيب الذي وضعتنا فيه مصطلحات محبطة مثل (المعجزة)! وطالما بقينا نعتقد خطأً أن لدى تلك الأمم أسباب (خاصة) للنهضة لا تتوفر فينا!. Twitter: @m_albeladi m.albiladi@gmail.com