تتعرض قرية نانموكو اليابانية للهجران من قبل سكانها أكثر من غيرها من بقية القرى اليابانية، ويقيم في هذه القرية، التي تستقر على قمة جبل يبعد 75 ميلاً شمال غرب العاصمة طوكيو، أكبر مجموعة من المسنين في اليابان، في حين لا يوجد في مدارسها سوى عدد قليل من التلاميذ، الذين لا تزيد أعمارهم على سبع سنوات. وتعد هذه القرية نموذجاً ومثالاً لبقية القرى المضمحلة في اليابان، فقد ظل الشباب ولعقود عدة يهجرون قراهم للعمل والعيش في المدن، تاركين وراءهم كبار السن. وفشلت جهود جميع الحكومات لتصحيح هذا الوضع، ولهذا السبب قرر مجلس القرية معالجة المشكلة بالمال، إذ وعد بمنح أي عائلة شابة تريد الانتقال إلى القرية سكناً مدعوماً يشتمل على منزل مزرعة خشبي بإيجار قدره 25 ألف ين في الشهر (135 جنيهاً إسترلينياً)، مع توفير روضة أطفال مجانية. كما يتم منح العمال الأجانب ما يعادل 1,030 جنيهاً إسترلينياً في الشهر نظير عملهم جزءاً من الوقت في مكاتب القرية، إلا أن المدة التي حددها مجلس القرية للتقديم لهذا العرض انتهت الشهر الماضي ولم يقدم سوى عدد قليل من المواطنين لا تنطبق عليهم الشروط. ويبدو أن نانموكو هي القرية التي تدفع للناس للعيش فيها لكنهم لا يرغبون في ذلك. ويقول المسؤول في مجلس القرية، تاهيكو إيشي أشعر بأن هناك أزمة، فإذا استمر تناقص السكان على هذا المنوال فإن القرية ستختفي لا محالة. ويسود مثل هذا القلق جميع الضواحي اليابانية، إذ تؤكد إحصاءات رسمية أن هناك 11 ألف مجموعة سكانية أكثر من نصف عددها تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر، وأن 575 قرية كل من فيها موظفون متقاعدون، وعلى مستوى القرى الواسع فإن قرية نانموكو هي الحالة الأكثر تطرفاً في البلاد، فقبل 60 عاماً كان بالقرية نحو 10,600 شخص، وكان مجموع طلبة مدارسها الابتدائية الثلاث 1500 طالب، وتناقص سكان القرية على مر السنوات ليصل الآن إلى 2,200 شخص، ولا يوجد بالمدرسة الابتدائية الوحيدة سوى 27 طالباً. وفي هذا المكان يعتني الأبناء السبعينيون بآبائهم التسعينيون، وتمتد الغابات لتغطي الحقول المهملة، ويوجد على بعد أمتار من كل منزل متهدم منزل متهدم آخر. ويقول عمدة القرية، سيجو هاسيغاوا، البالغ من العمر 61 عاماً عندما كنت طالباً بالمدرسة كان يولد بالقرية 200 طفل في العام، أما الآن فلا يولد سوى ثلاثة أطفال على الأكثر كل عام، ويضيف العام الماضي توفي 57 من سكان القرية. ويعود تناقص سكان اليابان المتسارع جزئياً إلى زيادة عدد المعمرين بين السكان وتناقص عدد المواليد، فالكبار يعيشون حتى الـ80 أو أكثر، أما الشباب فيميلون أكثر وأكثر إلى عدم الإنجاب. ويبدو أن هذا يعود أيضاً للحالة الاقتصادية الداخلية. وبما أن أراضي نانموكو الشديدة الانحدار لا يمكنها إنتاج الأرز اعتمد السكان ولفترة طويلة على زراعة جذور كونوياكو لبيعها في المدن، إلا أن أسعار كونوياكو تدنت بشكل كبير، ما جعل من الصعب على الأسر العيش على العائد منها. وتبدو نانموكو، بتلالها المغطاة بالغابات، ونهرها ذي المجرى العميق، مكاناً مناسباً للسكن، إلا أن تناقص السكان هو المشكلة. وأصبح من الصعب تغيير مسار احتضار هذه القرية، لأن العدد القليل من الشباب فيها لا يجعلها قبلة للشباب القادمين من الخارج، وعلى الرغم من أن العرض الذي قدمه مجلس القرية استرعى بعض الاهتمام إلا أنه ليس بالمستوى الذي تتوقعه القرية، ذلك لأن معظم المتقدمين للاستفادة من ذلك العرض من العزاب وليس من الأسر التي لديها أطفال.