مضى أسبوع آخر ومرّ معه فصل آخر من فصول الملحمة اليونانية لكن المستثمرين بدأوا يضعون إعسار اليونان ضمن حساباتهم وعليهم أن يضعوا في الحسبان أيضاً الشرخ الجديد الذي بدأ بالظهور بين ضفتي الأطلسي . فعلى الضفة الشرقية بلغ الأمر بصناع القرار مرحلة التعامل مع انفصال اليونان عن منطقة اليورو على أنه برداً وسلاماً عليها . وخلال دورة انعقاد مؤتمر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي ركز المسؤولون الألمان على أن مسألة انفصال اليونان تم تسعيرها في الأسواق وأن أي صدمة تنتج عنها باتت تحت السيطرة . أما على الضفة الغربية، فالمزاج العام ليس على ما يرام . فقد حذر جاسون فيرمان رئيس مجلس الاستشاريين الاقتصاديين الأمريكيين الأسبوع الماضي من أن انفصال اليونان لن يكون وبالاً على الاقتصاد اليوناني فحسب بل سيكون له تأثير خطر في الاقتصاد العالمي حتى بعد أن تعود المياه إلى مجاريها . ويبدي المسؤولون الأمريكيون على وجه الخصوص قلقاً بالغاً إزاء تطورات الأزمة اليونانية . فما هي أسباب اختلاف مواقف الطرفين . أحد تلك الأسباب هي الحوافز . فبلد مثل ألمانيا التي أمضت ثلاثة أشهر من التفاوض مع الحكومة اليونانية الجديدة بلا جدوى . بلغت حد الإحباط وغير قادرة على إيجاد ما يمنعها من تصليب موقفها حيال اليونان . أما الأمريكيون فيحاربون بالنظارات من بعيد فقط . أما السبب الآخر فهو ظاهرة بنك "ليمان براذرز" الذي تعلم الأمريكيون من انهياره عام 2007 دروساً قاسية حول الهزات الخفيفة وصعوبة السيطرة عليها إن اتسع نطاقها . وقد عاش نظراؤهم الأوروبيون نفس الإحساس . وقد لاحظ المستثمرون في وول ستريت والبيروقراطيون الأمريكيون كيف انتشرت الأزمة انتشار النار في الهشيم واثارت الذعر في نفوسهم . ويعتقد هؤلاء أن هناك الكثير من النقاط الخلافية حول أزمة 2008 التي يمكن أن تتطابق مع تفاصيل الوضع في اليونان . أولى تلك النقاط هي أنه حتى في حال توقع حدوث المخاطر فإن التحكم في منع وقوعها أو تحمل تبعاتها ليس في مقدور أحد . ولو عدنا لتجربة عام 2008 لوجدنا أن هناك أزمة متكاملة الأركان ضربت "بير ستيرنز" قبل ستة أشهر من انهيار "ليمان براذرز" . ومع ذلك فشل المصرفيون وهيئات التنظيم في الاستعداد والتحوط لتبعاتها . وانصب تركيز هيئات التنظيم عشية انهيار "ليمان براذرز" على ضبط المخاطر التي تتسبب بها الأوعية الائتمانية . لكن في غمرة الأزمة فات هيئات التنظيم أمر مهم وبلعوا الطعم . فما أثار الذعر في نفوس المستثمرين يومها ليس مخاطر الأوعية الائتمانية وإنما بند في القانون تم تجاهله أو وهو "مفهوم" الإفلاس في القانون البريطاني الذي حمى أصول المستثمرين مما تعرضت له الأصول في نيويورك . ومن الدروس المستفادة من انهيار "ليمان براذرز" أنه عند إعسار أي من مصدري السندات تنتقل عدوى فقدان الثقة لغيره فوراً . ويحدث ذلك غالباً بسبب فوضى تأويلات النموذج المالي السائد الذي يبدو غير قابل للفهم . وليس بسبب خوف المستثمرين من انتقال العدوى للمؤسسات الأخرى . وهذا يعني أن الذعر يحيط بأسواق المال العالمية من كل جانب . وهذا بدوره يسلط الضوء على عبرة أخرى تتعلق بعدم استقرار النظام السياسي . ومما عزز أزمة الثقة في تجربة "ليمان براذرز" رفض الكونغرس الأمريكي على مدى يومين اقتراحاً تقدم به وزير الخزانة يومذاك لإنقاذه ما زعزع الثقة حتى في السلطات ودورها . وقد يكون من الممكن تجنب تلك العناصر الثلاثة في معالجة أزمة اليونان . فالمصرفيون وهيئات التنظيم أشبعت الأزمة دراسة وتمحيصاً وناقشوا تبعات انفصال اليونان وما يترتب عليها . كما أن اقتصادات الدول الضعيفة مثل إسبانيا وإيطاليا تحسنت كثيراً لدرجة استبعد معها احتمال انتقال العدوى . وفي حال انفصلت اليونان فسوف يتخذ زعماء المجموعة موقفاً موحداً منها يعزز تماسكهم . أو هكذا على الأقل حاول المشاركون منهم في اجتماعات صندوق النقد الدولي أن يؤكدوا للأمريكيين . إلا أن كل ما سبق قد يكون إفراطاً في التفاؤل . ذلك أن الغموض الذي يحيط بالمؤسسات المالية لا يزال يفترض الكثير من المفاجآت اللوجستية والقانونية . فاليونان ليست البلد الوحيد الغارق في الديون . كما أنه لا ضمانة لأن يحول انفجار المفاجآت السياسية هنا وهناك دون خروج اليونان بل قد يفاقم عدم الاستقرار السياسي . وينبغي أن يضع الأوروبيون والأمريكيون في حسابهم أنه في حال انفجرت الأزمة فلن يكون بوسع أي طرف منع اتساع دائرة انتشارها وبالتالي تحولها من أزمة يونانية إلى أزمة أوروبية وربما عالمية . من يدري؟ جيليان تيت