×
محافظة الرياض

تعلن شركة سند للتأمين و إعادة التأمين التعاوني نتائج اجتماع الجمعية العامة غير العادية للمرة الثانية

صورة الخبر

حسنا فعلت قاعة «ميم» (دبي) في إقامتها معرضاً للفن السوري في هذا الوقت بالذات. لربما لأن الفجيعة الإنسانية التي انتهى إليها الصراع السياسي في سورية ستكون مصدراً لارتزاق العديد من تجار الفن، انطلاقاً من شعور مجاني بالشفقة، من شأن الانجرار وراءه أن يخلط النتاج الجيد بالرديء، الأصيل والثابت بالعابر والطارئ. لقد اختارت «ميم» فناني معرضها بعناية وذوق وحرص يتماهى مع الحدث الذي تعيشه سوريا، غير أنه لا يخفي انحيازه إلى الفن قبل أن يكون الدافع سياسياً، بل وثورياً. لم تخطئ «ميم» في اختيار فناني معرضها من جهة رصانة وعمق تجاربهم الفنية، غير أنها لم تكن موفقة في اختيار عنوان ذلك المعرض. فاختيار «الفن السوري» عنواناً ينطوي على مساحة خيال وتفكير شاسعة. يمكن لذلك العنوان أن يكون مظلة لاستعادة تاريخية رحبة، يلتقي فيها الأحياء بالأموات، النازحون بالمنفيين بالمقيمين على ألم، ويمكنه أن يكون مجرد نظرة بانورامية تُلقى على واقع المشهد الذي يعيشه المحترف السوري المعاصر. ففي سورية التي أعرفها جيداً، على الأقل على المستوى الفني هناك اليوم عشرات التجارب الفنية التي يمكن احتضانها بفخر، ويمكنها أن تضعنا في قلب التفكير في سوريا باعتبارها منجماً فنياً لا تزال العناصر فيه قيد التفاعل. ثم من قال إن الفنانين الذين تمت استضافة أعمالهم في هذا المعرض يقبلون أن تحتل تجاربهم الواجهة الإعلامية في ظل غياب الكثير من التجارب الفنية المهمة التي يضج بها المحترف السوري منذ أكثر من نصف قرن؟ هذا سؤال ليس جوهرياً، إلا من جهة تعلقه بالرغبة في تحقيق نوع من التكامل بين الاسم والمسمى. ما اختارته «ميم» للعرض هو جزء من الفن السوري، بل هو جزء مهم وقوي في تعبيره عن حيوية الفن السوري في العقدين الأخيرين اللذين شهدا تراجعاً للفن في العديد من البلدان العربية. يوسف عبد لكي، ناصر حسين، عبد الله مراد، ياسر صافي، منير الشعراني، أدورد شهدا، فادي اليازجي هم فنانون يحققون انتماء فنياً مزدوجاً. ففي تجربة كل واحد من أولئك الفنانين الذين تم اختيارهم بـسـبب مواقفهم الـفنـية الـطلـيعية شـيء من اللوعة المضمونية التي تميز بها التشكيل السوري عبر مسـيرته التاريخية وهو يختار أشكاله بناء على قوة تأثير معانيها. ليس ما يحدث اليوم في سوريا إلا مناسبة يستعيد المرء من خلالها ما كان الفن السوري (الرسم بالذات) يلح على التفكير فيه، باعتباره أسلوب حياة وصيغة مصير. لم يكن الفن السوري ليتغنج في ماضي أيامه في رفاهية أحواله. من فاتح المدرس والكيالي وحماد والزيات إلى ريما يسوف ورندا مداح وصابور هناك خيط مشدود مثل وتر يكاد ينقطع هو في حقيقته فكرة المعنى عن ذاته. سيهبنا الرسم الخلاصات التي تنجدنا بالمفاتيح. وهنا تقع بالضبط الأبواب التي تنفتح بتلك اللوعة على العالم. ما يحسب لقاعة «ميم» أنها نجحت في اختيار فنانين سوريين معاصرين، يمكن أن تعرض أعمالهم في أي مكان من العالم فلا تلقى القبول الحسن وحده، بل وأيضاً سيكون ذلك العرض مقدمة للدخول إلى أهم القاعات والمتاحف الدولية. سبعة فنانين سوريين، كل واحد منهم يطرح علينا فكرته عن عالم تصويري ثري بمحتوياته، عميق بدلالاته. عالم يحتوي المرئيات بما يهمس به وجودها المباشر من تأوهات مصيرية كما لدى عبد لكي ويستجيب أنوثة طرازه الساحر كما لدى ناصر حسين ويكون غاصاً بمنمنماته الإنسانية المحرجة التي هي وقائع صغيرة يلهمها عبدالله مراد شكلا أسطورياً يتخذ هيئة العصيان الوجودي مع ياسر صافي وفادي يازجي ليستعيد شكلانية عذابه مع شهدا ثم يموسق دروبه في دوزنة نادرة لا يبرع أحد في القيام بها مثلما يفعل الخطاط منير الشعراني. هي سورية الآن، كما كانت أبداً. فهل ستكون كذلك دائماً؟ لا يبحث هذا المعرض عن ضالة تعبيرية بعينها. إنه نسق من التجريب الذي يسعى إلى أن يضع التجربة الفنية السورية في مكانها التاريخي قبل أن يسقط الميزان في معادلة الاحتراب الداخلي الذي قد لا يبقي أثراً من حقيقة بلد كان ميداناً للريادة الحداثوية في العالم العربي. سيكون الحديث عما تبقى من سورية في ظل خراب، تسيطر آثاره على أفق المستقبل مقلقاً وشائكاً، غير أن فناً أنتجه السوريون بقوة ما تعبر عنه أعمال هؤلاء الفنانين سيكون دائماً بمثابة لوح نجاة. يوماً ما كان هناك سلّم سوري ارتقاه الأبناء من خلال الفن ليطلعوا على أنباء الغيب.