قال (رهين المحبسين) أبو العلاء المعري مفاخراً: وإني وإن كنت الأخير زمانهُ لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ تذكرت هذا البيت من الشعر وأنا أشاهد مقابلة مع جراح القلب العالمي المشهور.. مجدي يعقوب.. المصري الأصل والبريطاني الجنسية.. وهو يتحدث عن عمله في مجال جراحة القلب.. حيث قال ان ما يقوم به حاليا.. رغم تقدمه ودقة إتقانه.. سيكون من التاريخ في سنوات قليلة قادمة.. فالمهارات والوسائل تتطور يوما بعد يوم.. وستحل الآلة مكان مهارات الطبيب (سكيلز) وأضيف لكلام الجراح العالمي.. انه خلال السنوات العشرين الماضية أصبح الكثير مما تعلمناه في كليات الطب من الماضي بالفعل.. فشقوق وفتحات استئصال المرارة والزائدة في الجلد مثلا.. والكبيرة طولاً وعرضا في جسم الإنسان.. والتي كان كل مريض يتحمل آلامها وتشوهاتها.. ألغتها جراحة المناظير (لاب كولي ولاب أبيندكس) ورافقتها اكتشافات لطرق علاجية لم تخطر على بال الكثير من الأطباء والجراحين.. وأدوية طورت من مسببات الأمراض.. كطريقة جديدة لعلاج البروستات تُستعمل فيه جرثومة (إي كولاي) والتي تعتبر من الأسباب الرئيسة لالتهابات المسالك البولية لدى الجنسين.. فجرثومة (إيشريشيا كولاي) التي يصعب على الطلبة والأطباء نطقها.. أصبح اسمها إي كولاي اختصارا.. وبالإمكان استعمالها أو تطوير علاج مستخلص منها لعلاج أمراض البروستات.. وأجدني تذكرت (عجز) بيت من الشعر لأبي نواس (داوها بالتي كانت هي الداءُ) ماعلينا.. ولنكمل فكرة سوانح اليوم عن التقدم الطبي.. فلا أزال أذكر أستاذا في كلية الطب قال لنا في إحدى محاضراته قبل ثلاثة عقود أو تزيد.. ان المضاد الحيوي الفلاني عند اكتشافه في الخمسينيات الميلادية يعتبر الخيار الأول لعلاج مرض السل.. وهو ماكان يثير استغرابنا نحن طلبة الطب في نهاية السبعينيات الميلادية من القرن الماضي.. ومن نافلة القول ان المعري قال قصيدته الجميلة والتي استشهدت منها بالبيت القائل: وإني وإن كنت الأخير زمانه.. لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ.. قيلت قبل ألف سنة أو تزيد.. وقبل عدة شهور كنت مع طبيب للعيون لأسأله عن عملية موية بيضاء أو كتاراكت سيجريها لوالدتي حفظها الله.. قلت له كيف ستجري العملية والكتراكت لم تصل لمرحلة الاستواء والنضوج (ماتشور كتاراكت) ألا يجب أن ننتظر ستة شهور أو نحوها لتستوي الكتاراكت.. كما تعلمنا في بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي.. ابتسم طبيب العيون من قولي وهو ينظر إلي.. وكأني به يقول: يا قدمك وقدم طبك.. يا ابن سعيد.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. *مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية.