×
محافظة المنطقة الشرقية

التفويج الإلكتروني ساهم في انسيابية التنقل .. ومخالفات الإسكان تتناقص

صورة الخبر

بعد أن ظل المجتمع السعودي أسيراً لسنوات طويلة لإذاعات محدودة إن كانت حكومية أو خاصة وحيدة متمثلة في MBC FM تبدل الواقع الذي لم يكن يلبي حاجات ومتطلبات المستمع لتنطلق قبل ثلاث سنوات عدة منابر إذاعية خاصة بمختلف التوجهات الاجتماعية والفنية والرياضية لتقدم إلى المتلقي رسائلها الإعلامية والتي تختلف وفقاً لأهداف المؤسسات التابعة لها. ويؤكد المراقبون للمشهد الإعلامي على الدور الكبير الذي يجب أن تضطلع به هذه الإذاعات الوليدة التي يفترض منها القيام بدور تنموي يخدم الوطن والمواطن ويرفع من المستوى الثقافي لدى المواطنين ويؤصل العادات والقيم الاجتماعية الصحيحة وينبذ القيم التي لا تتلاءم مع طبيعة المجتمع والتي من شأنها تشويهه وإخفاء ملامحه الأصيلة كما يناط بها تثقيف العامة ونشر الوعي بين المواطنين وتنقية العقول من أي شوائب تتعرض لها، فهل بعد هذه السنوات القليلة حققت الإذاعات الجديدة الأهداف المرجوة على أرض الواقع من مشاركة القطاع الخاص بفعالية في مجال البث الإذاعي في المملكة؟. أم أنها تخلت عن رسالتها الإعلامية وسعت إلى ربحها المادي وتحقيق كل ما يخدم مصلحتها متخلية عن دورها الأساسي؟. طرح سطحي بداية يقول محمد الخميس مدير عام إذاعة "يو إف إم" إن معظم الإذاعات الجديدة وليس جميعها لم تقدم محتوى جيداً للمستمع خلال الفترة الماضية، ولا يوازي الطموح "بسبب الطرح السطحي والمادة الإعلامية غير الجيدة والتي لا تتناسب مع متطلبات المتلقي"، متمنياً أن يتم العمل برؤية عميقة لبعض الإذاعات لتقديم الأفضل. ويضيف الخميس أن إذاعة "يو إف إم" تعمل بشكل مستمر لتقديم الجديد للمستمعين على مستوى البرامج الرياضية أو المنوعة أو حتى التطوير في العمل الإخباري، حيث إنه ينظر للمحتوى والمضمون المقدم في البرامج أولاً وأخيراً قبل أي شيء آخر، مؤكداً على أن الإعلام رسالة سامية ولابد أن يتضمن أهدافاً واضحة المعالم بما يتوافق مع توجهات المملكة وخدمة الشباب بمختلف توجهاته وهو الهدف الأهم في المرحلة الماضية والمقبلة، مشدداً على أن الإذاعة تسعى بشكل مستمر في وضع بصمة مختلفة تتناسب مع فكر وتوجهات المجتمع السعودي "الذي نعتبره الوقود الحقيقي لنا في جميع تحركاتنا", مضيفاً بأن "يو إف إم" تحظى بثقة الوسط الرياضي نظير الإشادات المستمرة واليومية, واعداً بتقديم الأفضل في المرحلة المقبلة. وأوضح أن إذاعته تملك العديد من الكوادر المميزة القادرة على صناعة الحدث، وتقديم مادة إعلامية جيدة المحتوى والمضمون, مبيناً أن الإذاعة تبحث عن فتح المجال للجماهير لطرح الآراء وتقديم الاقتراحات دون قيود بما يتوافق مع الذوق العام، ساعين إلى إيصال صوت الجماهير للمسؤول دون تشفير. النزوح عن وظيفة الإعلام من جانب آخر يشير الدكتور عبدالكريم العطر أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود أنه كان مؤملاً أن تكون الإذاعات الجديدة إضافة إلى الإعلام السعودي ولكن الواقع يقول إنها خرجت من مدرسة وعباءة إذاعة إم بي سي إف إم, مؤكداً بأن معظم ما تقدمه من برامج يأتي محاكاة لما كان يعرض فيما سبق, ومشدداً على أن المحتوى "سطحي تافه لا يرتقي إلى ذائقة المستمع وقد أصبح الهيكل البرامجي يعتمد على أستوديو مفتوح "مذيع ومذيعة" ويتلقون من خلاله اتصالات ورسائل المستمعين". وأفاد العطر بأنه يفترض على القائمين على تنظيم هذه الإذاعات في هيئة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع أن يشترطوا عليهم تقديم شيء للمجتمع مثل ما هو مطبق في أمريكا, مشدداً بأن وظائف الإعلام المتمثلة في التثقيف والتوجيه وغيرها لم تعد حاضرة في أهداف هذه المنابر فهي تعتمد بشكل رئيس على وظيفة الترفيه متناسية بقية الوظائف التي يفترض أن تضطلع بها. وانتقد العطر آلية اختيار أسماء الإذاعات والتي سُمي كثير منها بكلمات إنجليزية متناسية اللغة العربية, مطالباً جميع الإذاعات بأن تقدم الخدمة المطلوبة للمستمع كالتثقيف والتوجيه والتوعية والتعليم "لكن الصورة العامة تشير إلى حالة من التهريج باتت سمة في هذه المنابر", مشدداً على ضرورة أن تقوم الإذاعات الخاصة بعملية تنموية لتساهم في الارتقاء بوعي المجتمع وفي القضاء على الكثير من السلبيات التي تظهر على سطح الشارع المحلي. اتجاه رأس مالي فيما يؤكد مسفر الموسى المتخصص في مجال الإنتاج المرئي وجماليات الشاشة أن تجربة الثلاث سنوات لإذاعات الإف إم حملت الكثير من الإشكاليات وبعض الإيجابيات, مبيناً أن كل هذه الإذاعات تستهدف ذات الجمهور من فئة الشباب سواء عن طريق الرياضة أو الفن "ونستطيع أن نحكم على ذلك من خلال اللغة الإذاعية ونوع البرامج والضيوف وحتى الإعلان التجاري", مشيراً إلى أن هذه المشكلة لا تتحملها الإذاعة "فهذا شأنها الخاص" وإنما تتحملها وزارة الثقافة والإعلام عند التخطيط لمنح رخص المحطات الإذاعية "إذ كان عليها أن تدرك ذلك من خلال تنويع صناعة المحتوى الإذاعي وإعطاء الفرصة لإذاعات لها اهتمام بالبرامج الإخبارية والثقافية وغيرها". وأفاد الموسى أن الإشكالية الأخرى تتعلق بما يسمى "التمثيل الثقافي" والذي يعني أن القيم الثقافية للمجتمع الحقيقي قد لا يتم تمثيلها من خلال القيم التي تطرحها الإذاعات "وبالرغم من أن هذه المسألة تحتاج إلى دراسة أعمق إلا أنني أستطيع مبدئياً أن أتوقع ذلك من خلال عدم التكافؤ بين عمق القضايا التي يناقشها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي -مثلاً- وبين التسطيح الفكري للاهتمامات التي تبرزها هذه المحطات، وسبب ذلك كما أعتقد هو عدم قدرة المعدين على خلق مادة إعلامية ترفيهية راقية وغير مبتذلة". وأضاف قائلاً: "إن من فوائد البث الإذاعي للموجات القصيرة الإف إم أنها مرنة المحتوى بسبب أن موجة معينة لإذاعة ما تبث لمنطقة محددة.. وبالتالي فإنه قد يستفاد منها في مسألة التنوع الثقافي للمدن والمناطق المختلفة من خلال تعدد المحتوى بحسب المناطق. فما نلاحظه الآن هو التركيز على المدن التي تبث منها الإذاعة ومن ثم تعميم المحتوى إلى بقية المدن". وكشف الموسى عن سلبية أخرى تتمثل في عدم الموازنة بين المسؤولية الاجتماعية والهدف الربحي للمحطة "وهذا الاتجاه الرأسمالي البحت قد ينتج عنه ما يسمى بسلطة المال التي قد تكسر كل قواعد المهنية والأخلاقيات وللوقوف على هذا الموضوع تحديداً عودوا إلى المساحة البرامجية المدفوعة الثمن لخبير الأعشاب الذي يشكك دائماً بالطب الإكلينيكي وإلى مفسر الأحلام الذي يبيع الوهم على الجمهور". وأوضح الموسى أن تأثير إذاعات الإف إم على جماليات المحتوى الفني والتراثي "فهذا النوع من الإذاعات قد غير النمط في إنتاج التراث الشعبي والأغنية المحلية من خلال السعي وراء الأغنية القصيرة ذات الكوبليه الأحادي والموسيقى ذات الثقافة الجماهيرية مما قد يتسبب مع الوقت في موت الثقافة الشعبية للفن بسبب محدودية الوقت وسيطرة الإعلان في هذا النوع من المحطات", مضيفاً بأن تجربة الثلاث سنوات قد حفلت ببعض الإيجابيات ولعل من أهمها فك احتكار المحطات السابقة وبروز الكثير من الشباب من الإعلاميين المميزين التي كانت لهم هذا الإذاعات فرصة كبيرة للبداية والانطلاق والتدريب. اختزال شرائح المجتمع من جانبه يؤكد عبدالله بن سنكر مذيع ومقدم برامج إذاعية أن انطلاق هذه الإذاعات يأتي في سياق التغيرات الضخمة التي شهدتها وسائل الاتصال عموماً وفي إطار التحول في مفهوم توزيع الرسالة الإعلامية؛ من رسائل تستهدف جماهير عريضة، إلى رسائل محددة، لفئة أو شريحة أو جمهور متجانس "ويحمد لهذه الإذاعات أنها واكبت هذا التحول بصفة رئيسة ثم تعددت معها وبعدها وسائل الاتصال الفردية؛ كالهواتف الذكية، ووسائل التسجيل الصوتية المتطورة، والمحمول إلخ، كما يحمد لها أنها واكبت التطورات المعاصرة في وسائل الإعلام الجديد الفيسبوك والتويتر". وأضاف "لقد كنا نعلق الآمال على هذه الإذاعات بأن تخلق واقعاً مختلفاً، وتقدم رؤية إعلامية منطلقة من قواعد إبداعية؛ تخدم المجتمع، وتوطّن العلم والمعرفة، وما إن بدأت الأيام الأولى وإذا بالحقيقة تسفر عن وجهها، ولا شيء مما أمّلنا سوى السراب, حيث حضر الترفيه بقوة معتمداً -بشكل مبالغ فيه- على الموسيقى، ومركزاً على فئة شريحة واحدة من الشباب، وكأن شبابنا اختُزلوا في هذه الشريحة فقط، وكأن هذه الشريحة لا تصلح إلا لهذه الأجواء، ناهيك عن إهمال شرائح أخرى من الشباب، وكبار السن، والأطفال، والأسرة؛ بحيث غاب التنوع إلا من رتوش متواضعة هنا وهناك تحضر على استحياء". وأضاف عبدالله قائلاً: "إن دور أية وسيلة إعلامية يتركز في المقام الأول في تقديم الفائدة للمجتمع كله، والارتقاء به إلى مستويات متقدمة من العلم والمعرفة، وإيجاد تكامل بين الوسائل الإعلامية بمختلف أشكالها والمؤسسات التعليمية في صنع جيل متحضر وحضارة متجذرة", مشيراً إلى أن المتابع لهذه الإذاعات يجد "أنها قد غلّبت الترفيه على الفائدة بل أصبح الترفيه -والترفيه وحده- هو العنوان الأبرز في كل ما تقدمه ربما لأن الترفيه يُدر عليها عائداً ربحياً كان من أساسيات قيامها، بينما المنفعة والفائدة قد ترهقها بمصاريف كبيرة لإعداد وتنفيذ برامج هادفة، مما يقلل من ربحيتها ومدخولاتها المالية"؛ مستدركاً بأنه لا يرى حرجاً على أية جهة أو وسيلة أن تسعى للربح "ولكن يجب ألا ينسى القائمون على هذه الإذاعات المسؤولية الأدبية والأخلاقية إذ بإمكانهم أن يقدموا الثقافة الهادفة والمنفعة لجميع شرائح المجتمع، مع سعيهم للربح وكسب المال". مؤكداً أن هذه الإذاعات لم تقدم "مع الأسف ما كان مأمولاً منها على الأقل حتى الآن في رفد المجتمع بالمنفعة والفائدة، وتعزيز المعرفة وسط الفئات المستهدفة، وغلّبت جانب الربحية والسطحية في برامجها؛ سعياً لجني أكبر قدرٍ من الأرباح وبأقل جودة وتكلفة ممكنة؛ ولذلك لا تكاد تجد البرامج الهادفة أو الثقافية في خارطة برامجها، التي انحصر جلّها أو كاد في تقديم الترفيه والثقافة السطحية الوقتية، دون عمق أو هدف".