القاهرة - الراية - إبراهيم شعبان: أثار الحكم الذي أصدرته "المحكمة الإدارية العُليا" بشأن الفصل والإحالة إلى المعاش في حال الإضراب عن العمل، ردود أفعال غاضبة في مصر حيث اعتبره العمّال "مخالفة نقابيّة ودوليّة"، تثير القلق، بينما أكد نقابيون وسياسيون أن هذا الحكم له خلفيّات سياسيّة وأن الظاهر منه في حال تنفيذه كبت حقوق العمّال ووأد احتجاجاتهم المشروعة. سابقة خطيرة من جانبه أكد عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقاهرة، أن الحكم يُثير مشاكل عديدة ويقيّد العمّال في الحصول على حقوقهم، كما يهدر حقًا نقابيًا أصيلاً لهم في حال امتنعت سلطة رأس المال أو الإدارة المسيّرة للعمل عن إعطائهم حقوقهم.ولفت "شكر" إلى أن الحكم يُعدّ سابقة خطيرة خاصة أن حق العمال في التظاهر والإضراب والاعتصام معترف به في مصر على مدى القرنين الماضيين ومع مختلف الأنظمة التي حكمت البلاد، بالإضافة إلى أنه يتعارض مع الاتفاقيات الدوليّة التي وقعت عليها مصر. حالة احتقان وأشار كمال عباس، القيادي العمالي المعروف ورئيس دار الخدمات النقابيّة المصري، إلى أن حكم تجريم إضراب العمال يسيء إلى صورة مصر دوليًا، كما أنه مُخالف للدستور، علاوة على أن الإحالة للمعاش في حال ما قام العامل بتنفيذ الإضراب عن العمل، لن يحلّ مشكلة الاحتجاجات العماليّة كما يتصوّر البعض، بل على العكس قد تزيد من حالة الاحتقان. وشدّد كمال عباس على أن الأجدى من تهديد العامل بالفصل والإحالة إلى المعاش هو التعاون لحل مشاكلهم، خاصة أن العمّال لديهم مظالم حقيقيّة ينبغي النظر فيها. أحكام متعارضة بينما رأى د.زهدي الشامي، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن الدستور المصري أقرّ حق الإضراب عن العمل واعتبره حقًا أصيلاً للعامل، متسائلاً: كيف يأتي حكم محكمة ليلغيه ويعتبره عملاً مجرمًا ؟، كما أن قانون العمل القديم أيضًا أقرّ الإضراب العمالي، لافتًا إلى أن تنفيذ هذا الحكم سيُثير غضبًا عماليًا دوليًا ونقابيًا لأنه حق لا يمكن لأحد أن ينتزعه. وأشار الشامي إلى أن الحكم يتعارض كذلك مع حكم صدر من قبل عن محكمة أمن الدولة العُليا في الثمانينيات بشأن حق عمال السكة الحديد في الإضراب وتعارض الأحكام يلغيها. حكم معيب وقال د.أحمد صقر عاشور، ممثل منظمة الشفافية العالمية في مصر، إن تجريم الإضراب من جانب المحكمة الإدارية العُليا واستنادًا إلى ما تقوله بأنه يتوافق مع الشريعة الإسلامية فيه إجحاف لحق العامل؛ لأن القاضي يحكم بالقانون الوضعي مهما كانت النصوص الدينيّة الموجودة أمامه سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية.وأكد عاشور أن الحكم معيب ولا يقرأ ما جرى في مصر خلال الأربع سنوات الأخيرة، ولا يأخذ في الحسبان ثورة 25 يناير ، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من الشعب المصري وبالمقارنة بأصحاب الأعمال هم من الموظفين والعمّال، أي من الطبقة الكادحة، لذلك ينبغي النظر إلى حقوقهم ومعاناتهم وليس تجريم إضرابهم أو اعتصاماتهم. وشدد صقر عاشور على أن الحقوق العماليّة معمول بها في أعتى الدول الرأسماليّة مثل أمريكا وبريطانيا فكيف يمكن وأدها في مصر.وطالب الحكومة المصرية بالعمل على استكمال النقص التشريعي فى مجال حقوق العمال والنقابات، وأيضًا النظر بعين المساواة وتحقيق العدالة الاجتماعيّة إلى مطالب العمال. حقوق مشروعة ورأى د. جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسيّة بجامعة عين شمس، أنه في حال تنفيذ الحكم بالفصل من العمل أو الإحالة إلى المعاش بعد قيام العامل بالإضراب، فإن ذلك سيُثير غضبًا حقيقيًا، لأنه لا مثيل له في العالم، فهناك حقوق عماليّة ينبغي الحفاظ عليها، وطبقة العمال والموظفين لديهم إحساس عالٍ بالاضطهاد، فهل نصدر أحكامًا لكبتهم وتقييد حركتهم أم نتجاوب بالحوار مع الحقوق المشروعة ؟! العقل يؤكد ضرورة الحوار بالعقل والعمل على الاستجابة للمطالب العماليّة وعدم الاستهانة بها أو التحقير منها. وشدّد عودة على أنه ومن واقع خبرته طوال أكثر من 20 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا رأى أن الدول الرأسماليّة لا يمكن أن تتغاضى عن حق العمال ولا تتهاون في مطالبهم، رغم أنها تعي جيدًا أن هناك فروقًا بين منع الإضراب وتنظيمه حتى لا يتحوّل إلى عملية تخريبيّة. كلمة مطاطة وأيّده د. أحمد عبد الوهاب، أستاذ العلوم السياسية والقيادي بحزب التجمّع المصري، في أن حكم الإدارية العُليا بتجريم إضراب العمال ومع أحكام أخرى صدرت في الفترة الأخيرة يقيّد الحريات والحقوق، لافتًا إلى أن قول القاضي أنه يحكم استنادًا إلى الشريعة الإسلامية فيه افتئات على القانون لأن الشريعة "كلمة مطاطة" والقاضي يحكم بالقانون الموضوع أمامه. وشدّد عبد الوهاب على أن الاتجاه العام في مصر الآن هو العمل على وأد الاحتجاجات السياسيّة والعماليّة وتكميم الأفواه وربما بشكل أكبر مما كان موجودًا في عهد مبارك، لكن لن يقبل أي أحد بهذا الوضع بعد ثورة يناير ، كما أن حقوق العمّال المصريين لا مساومة عليها ولا يمكن تجريمها.